المشاهد الأخيرة في حياة عبدالمنعم رياض: «احتفظ برصاصة في مسدسه للانتحار في الوقت المناسب» (ح 1)

alaa tamer

عضو مميز
إنضم
5 أبريل 2010
المشاركات
2,454
التفاعل
10,290 0 0
المشاهد الأخيرة في حياة عبدالمنعم رياض: «احتفظ برصاصة في مسدسه للانتحار في الوقت المناسب» (ح 1)


ذات يوم سُمع رجل هادئ الطباع شديد الخلق يقول ربما في إحدى جلساته الخاصة عبارة تبدو أنها هامة بقدر أهمية الرجل ذاته حين قال: «لن نستطيع أن نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة، وعندما أقول شرف البلد، فلا أعنى التجريد وإنما أعني شرف كل فرد، شرف كل رجل وكل امرأة».

هذا الشرف الذي تحدث عنه شديد الخلق ذاك هو الأمر الذي عاش به ومات لأجله وخُلدت ذكراه بسببه ووثق التاريخ ذاكره لذلك السبب الذي لا يضاهيه سبب آخر مهما بلغت درجة قوته، وكما ذكرته أجيال مضت وتذكره أجيال حالية سيتذكرها أيضًا أجيال قادمة ستتعلم درسًا هامًا يقول إنه «لا شرف لهذا البلد بلا معركة».

ذلك الرجل هو الشهيد الذي يتصدر تمثاله أهم ميادين وسط القاهرة، تحت عنوان «ميدان الشهيد عبدالمنعم رياض»، القائد العسكري الذي مات على الجبهة وسط جنوده في شرف، صباح 9 مارس 1969، في الموقع رقم 6.

وفي ذكرى وفاته، تقدم «المصري لايت» مشاهد من حياة عبدالمنعم رياض في شكل حلقات، كتبها الكاتب محمد حسنين هيكل، في مقال له بجريدة الأهرام المصرية، في 10 مارس 1969، عقب وفاة الشهيد بيوم واحد، ونقلها موقع «مجموعة 73 مؤرخين».

%D9%85%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B9%D9%85-%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6.jpg


المشهد الأول: حين وضع عبدالمنعم رياض روحه على كفيه

الزمان: 27 مايو سنة 1967.

المكان: الأراضي الإسرائيلية.

الحدث: دوريات مصرية دخلت الأراضي الإسرائيلية للاستكشاف.

الرتبة العسكرية للفريق عبدالمنعم رياض: رئيس هيئة أركان حرب القيادة العربية الموحدة.

الوضع العسكري: قبل أن تبدأ معارك يونيو سنة 1967 بأيام قليلة، والتوتر شديد على خط الحدود المصرية وعلى خطوط الهدنة، بينما قواتنا تحتشد في سيناء، وقوات العدو تتدفق إلى النقب الجنوبي، والصدام المسلح محتمل في أي ساعة.

zzzz27.jpg


تفاصيل المشهد:

يقول «هيكل»: «فجأة في ظهر يوم 27 مايو سنة 1967، سمعت نبأ بدا وكأنه كارثة، حاول من نقله إلىَّ أن يعطيه لي على جرعات، قال أولًا هناك دوريات مسلحة دخلت للاستكشاف في الأرض الإسرائيلية، قلت: معقول، ومفهوم، قال: يظهر أن عبد المنعم رياض دخل بنفسه مع إحدى هذه الدوريات، قلت: هذه مخاطرة لا لزوم لها، ولكن الذروة جاءت حين قال لي محدثي في ذلك الوقت: لقد أعلن العدو حالًا أن إحدى الدوريات التي دخلت وقعت في كمين لهم، ومن المحتمل كثيراً أن تكون تلك هي دورية عبد المنعم رياض، لأنها شوهدت وفق آخر تقرير في نفس هذه المنطقة، وقلت وأنا أكاد أفقد أعصابي: هذا غير معقول ولا مفهوم».

5057-59.jpg


يحكي «هيكل» أن ذلك الخبر وقع عليه وآخرون كالصاعقة وظل القلق يساور الجميع لساعات خوفًا من أن تكون تلك الدورية التي وقعت في يد الإسرائيليين هي دورية «الفريق رياض»، ويقول الكاتب في مقاله في وصف تلك الساعات: «مضت ساعات والقلق فيها يعصر قلبي وقلوب غيري ممن كانوا يعرفون بالاحتمال الرهيب الذي يمكن أن يتحقق في أي ثانية إذا ما أعلن العدو عن أسماء الضباط من أفراد الدورية التي وقعت في الكمين الذي نصبه، وأذكر يومها، أنني كنت على موعد مع محمود رياض وزير الخارجية، وكنت أريد أن أناقش معه بعض تطورات الموقف السياسي، لكننا قضينا معًا أكثر من ساعتين في ذلك اليوم وليس بيننا حديث غير حديث القلق على عبد المنعم رياض: هل كان ضمن الدورية التي وقعت في أسر العدو أو أنه لم يكن».

ومن وجهة نظر «هيكل» فإن تلك الجسارة المذهلة التي يتمته بها «الفريق رياض» والتي تجعله يسير وسط مناطق حشد العدو لم تشفع له حين عرف أصدقاء له في القاهرة بالخبر الصدمة حيث عانى الجميع خوفًا من أن يكون رئيس هيئة أركان حرب القيادة العربية الموحدة في يد الجنود الإسرائيليين الآن، بينما يقبع جنوده على الجبهة في انتظاره، لكن الأمر قد زالت وطأته حين أعلنت إسرائيل أسماء ضباط وجنود الدورية التي أسرتها، ولم تكن دورية عبدالمنعم رياض.

259861776088721049.jpg


مر الليل بهدوء حذر حتى جاء اليوم التالي وتلقى «هيكل» مكالمة هامة قال فيها المتصل بضحكة وصفها الكاتب بـ«المرحة»: «بلغني أنك كنت عصبيًا أمس»، فرد «هيكل»: «لم أكن عصبيًا فقط، ولكني كدت أجن»، فما كان من المتصل إلا أن استمر بضحكاته.

كان المتصل هو «الفريق رياض» بذاته من القاهرة يطمئن «هيكل» أنه مازال في عمره بقية لتفقد الجبهة، وراح الكاتب يشرح وجهة نظره للقائد العسكري، قائلًا: «انتظرني أقول لك وجهة نظري، لم يكن تفكيري شخصيًا في كل ما شعرت به، لكنني لم أكن أتصور أن ينجح العدو – قبل أن يبدأ أي قتال – في أسر رئيس هيئة أركان حرب القيادة العربية الموحدة، هل تتصور أثر ذلك على الروح المعنوية العربية عمومًا، هل تتصور ما كان يمكن أن يحصل العدو عليه من معلومات منك، وأنت تعرف أن هناك حدًا لصمود أي بشر أمام وسائل التعذيب الحديثة؟».

في رد أشبه إلى رجاحة عقل القائد العسكري، قال «الفريق رياض»: «لم يكن ذلك كله غائبًا عن بالي عندما خرجت مع دورية الاستكشاف، لكني أحسست بضرورة الخروج هذه الأيام الثلاثة مع الدورية، ولقد كان مسدسي في يدي طول الوقت، ولم تغمض عيناي ثانية واحدة، ولو أحسست باحتمال أن نلتقي بقوات للعدو، فلقد كان حتمًا أن نقاتل حتى الطلقة ما قبل الأخيرة، لأني كنت سأحتفظ بالطلقة الأخيرة ذاتها لنفسي، أفرغها في رأسي قبل أن يحاول العدو أن يأخذ مني نتفة معلومات واحدة».

%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B9%D9%85-%D8%A8%D8%AC%D8%A7%D9%86%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D9%84-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1.jpg


وبرر «الفريق رياض» بأسباب منطقية ما رآه «هيكل» مخاطرة كادت أن تصيبه بالجنون، وقال في اتصاله التليفوني: «كان يجب أن أخرج مع هذه الدورية بنفسي لأسباب، أريد أن أرى الأرض التي ستجري من فوقها المعركة، ومع أني أعرفها من قبل ومشيت عليها بقدمي بقعة بقعة، فلقد كنت أريد أن أستذكر بالنظر ما أعرف، فلا شيء يعوض أن ترى بنفسك الأرض التي ستعمل عليها، والتي على ترابها سوف تتحدد الحياة أو الموت».

وأضاف: «من ناحية أخرى، فإنه في بداية احتمال قتال بيننا وبين العدو، فلقد كان يجب أن نبعث ببعض الدوريات للاستكشاف، وفضلًا عن أية معلومات قد يعودون بها، فإن دخولهم يكسر رهبة اقتحام أرض للعدو في بداية مواجهة خطيرة معه، ومن ناحية ثالثة، فلم أكن أتصور أن نقول للضباط والجنود: اذهبوا أنتم إلى الدوريات وعودوا إلينا هنا وقصوا علينا ما رأيتم، تفترق المسألة كثيرًا إذا أحسوا أن القواد معهم في المخاطرة، إلى جانب أنهم رأوا مثلهم ويستطيعون المراجعة عليهم».

ThumbnailHandler.ashx


وأنهى «الفريق رياض» مكالمته بجملة تنم عن حماس قائد عسكري وحنكة عسكرية لا مثيل لها وشجاعة تفوق شجاعة الفرسان، قائلًا: «إذا حاربنا حرب جنرالات المكاتب في القاهرة فالهزيمة محققة، مكان الجنرالات الصحيح وسط جنودهم، وأقرب إلى المقدمة منه إلى المؤخرة».

يقول «هيكل» واصفا نفسه بـ«المستسلم» بعد سماع حُجة «الفريق»: «مهما يكن، فقد حبست الدم في عروقنا ساعات!»، فرد القائد العسكري الشهيد ضاحكًا: «تعيش وتأخذ غيرها!».

 
مشاهد من حياة عبدالمنعم رياض: «أنقذ هيكل من شرب سائل ملتهب لإجادته اللغة الروسية» (ح 2)


%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B9%D9%85-%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B61-1160x480.jpg

لا داعٍ للحديث عن الموسيقى في حضرة رجل عسكري، خاطرة ربما تتبادر إلى الأذهان بشكل دائم حينما نريد شرح اختلاف الأولويات والاهتمامات بين المدنيين والعسكريين، فربما لا يتسع الوقت لمدني أن يتفقد أنواع الأسلحة والدبابات والمعارك، ولا يتسع وقت العسكري لسماع الموسيقى وشراء الزهور.

وفي الخمسينات كان هناك رجلا عسكريا محاربا من الطراز الأول يسبح عكس التيار، له آراؤه الخاصة وهواياته المختلفة وحياة عسكرية صارمة وفكر متفتح رائع، في الصباح يمكنه تفقد أحوال العسكرية المصرية، وفي المساء يمكنه سماع الموسيقى دون ملل.

هكذا كان الفريق عبدالمنعم رياض، الرجل الذي تولى زمام الأمور العسكرية في مصر في أشد الفترات حساسية وشدة، فكان مثالًا حيًا للانضباط العسكري والشرف الرجولي في حياته وحتى بعد مماته على الجبهة وسط جنوده في شرف، صباح 9 مارس 1969، في الموقع رقم 6.

وفي ذكرى وفاته، تنقل «المصري لايت» مشاهد من حياة عبدالمنعم رياض في شكل حلقات، كتبها الكاتب محمد حسنين هيكل، في مقال له بجريدة الأهرام المصرية، في 10 مارس 1969، عقب وفاة الشهيد بيوم واحد، ونقلها موقع «مجموعة 73 مؤرخين».

المشهد الثاني: الفريق رياض بعيدًا عن الزي العسكري

الزمان: 1957

المكان: موسكو

الحدث: وفد عسكري مصري يبرم عقودًا لصفقة سلاح.

الرتبة العسكرية للفريق عبدالمنعم رياض: قائد المدفعية المضادة في الجيش المصري.

oWBi5.jpg


تفاصيل المشهد:

يحكي «هيكل» في مقاله ذكرى أول لقاء جمعه بضابط شاب يبدو منذ رؤيته للحظة الأولى أنه «ذكي»، وكان هذا اللقاء في موسكو، حيث كان الكاتب يجري حديثًا صحفيًا مع نيكيتا خروشوف، السكرتير الأول للحزب الشيوعي السوفيتي، في ذلك الوقت، والذي كان «نجمًا صاعدًا في القيادة السوفيتية»، كما قال «هيكل»، بينما كان «الفريق رياض» ضمن وفد عسكري مصري يبرم عقود صفقة سلاح.

ويصف «هيكل» أجواء اللقاء الأول قائلًا: «دعيت إلى حفل عشاء مع الوفد المصري، أقيم له في قاعة الاستقبالات في وزارة الدفاع، وحضره معظم مارشالات الاتحاد السوفيتي الكبار، مالينوفسكي، وتيموشنكو، وجريتشكو، وروكسوسفكي وغيرهم، وكنت والسفير محمد القوني، سفير مصر في موسكو وقتها المدنيين الوحيدين في هذا الجو العسكري الخالص، وكنت أشعر بالغربة فيه، وكان مقعدي على المائدة أمام ضابط شاب من أعضاء الوفد المصري العسكري برتبة لواء، فهمت أنه قائد المدفعية المضادة في الجيش المصري، وأن اسمه عبد المنعم رياض».

43.jpg


كان «الفريق رياض» «فطنًا» حيث أنه وفقًا لـ«هيكل» أنقذه من أزمة كبيرة حين كان «مضطرًا لشرب الفودكا» التي تتعبه كثيرًا.

وقال «هيكل»: «بعد دقائق من بدء العشاء كنت أشعر بالعرفان له، لأنه تدخل لإنقاذي أثناء محاورة بيني وبين المارشال رمودينكو، قائد الطيران السوفيتي، الذي كان يحاول إقناعي بشرب الفودكا، بينما كنت أحاول أن أقنعه بالإشارة أننى سوف أدوخ إذا لمس طرف لساني قطرة واحدة من هذا السائل الأبيض الملتهب، وكان عبد المنعم رياض يتحدث الروسية بطلاقة، ولم يكن هنا كثيرون يتحدثونها فى هذا الوقت المبكر من العلاقات العربية السوفيتية».

كانت تلك أول ليلة التقى فيها صحفي بقائد عسكري أصبح له فيما بعد شأن كبير في البلد خلال فترة من أشد الفترات العسكرية حساسية، لكن هذا القائد العسكري الذي يتحدث الروسية بطلاقة كان له اهتماماته الخاصة وهواياته التي تختلف كثيرًا عن السلاح وصفقاته والجبهات ومعاركها والدبابات وقوتها، وهو ما اكتشفه «هيكل» في لقائه الثاني بـ«الفريق رياض»، حين رآه في اليوم التالي للعشاء في أحد المسارح.

hqdefault.jpg


ويقول «هيكل»، في هذا الصدد: «في الليلة التالية التقينا مرة أخرى ومصادفةً في مسرح البولشوى، وكانت الراقصة الشهيرة إيلينا إيلونوفا تقدم آخر عرض لها لباليه رقصة البجع الشهير، ووجدته أثناء العرض على مقعد قريب من مقعدي، وتقابلنا في الاستراحة ما بين الفصلين لأقول له: لم أكن أتصور أن أجدك في عرض الباليه، كنت أتصور سهرات الضباط أكثر انطلاقًا من أحلام الباليه وموسيقاه التعبيرية ومزيج الأضواء والظلال والألوان فيه، وقال بسرعة وصراحة: هل أنت من الذين يضعون الناس في قوالب ويفاجئون إذا لم يجدوهم على مقاسها؟».

وينهي «هيكل» تفاصيل اللقاء قائلًا: «اعتذرت له صادقًا، ومن يومها بدأت صداقة بيننا، قوية عميقة».


%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B9%D9%85-%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B61-1160x480.jpg

لا داعٍ للحديث عن الموسيقى في حضرة رجل عسكري، خاطرة ربما تتبادر إلى الأذهان بشكل دائم حينما نريد شرح اختلاف الأولويات والاهتمامات بين المدنيين والعسكريين، فربما لا يتسع الوقت لمدني أن يتفقد أنواع الأسلحة والدبابات والمعارك، ولا يتسع وقت العسكري لسماع الموسيقى وشراء الزهور.

وفي الخمسينات كان هناك رجلا عسكريا محاربا من الطراز الأول يسبح عكس التيار، له آراؤه الخاصة وهواياته المختلفة وحياة عسكرية صارمة وفكر متفتح رائع، في الصباح يمكنه تفقد أحوال العسكرية المصرية، وفي المساء يمكنه سماع الموسيقى دون ملل.

هكذا كان الفريق عبدالمنعم رياض، الرجل الذي تولى زمام الأمور العسكرية في مصر في أشد الفترات حساسية وشدة، فكان مثالًا حيًا للانضباط العسكري والشرف الرجولي في حياته وحتى بعد مماته على الجبهة وسط جنوده في شرف، صباح 9 مارس 1969، في الموقع رقم 6.

وفي ذكرى وفاته، تنقل «المصري لايت» مشاهد من حياة عبدالمنعم رياض في شكل حلقات، كتبها الكاتب محمد حسنين هيكل، في مقال له بجريدة الأهرام المصرية، في 10 مارس 1969، عقب وفاة الشهيد بيوم واحد، ونقلها موقع «مجموعة 73 مؤرخين».

المشهد الثاني: الفريق رياض بعيدًا عن الزي العسكري

الزمان: 1957

المكان: موسكو

الحدث: وفد عسكري مصري يبرم عقودًا لصفقة سلاح.

الرتبة العسكرية للفريق عبدالمنعم رياض: قائد المدفعية المضادة في الجيش المصري.

oWBi5.jpg


تفاصيل المشهد:

يحكي «هيكل» في مقاله ذكرى أول لقاء جمعه بضابط شاب يبدو منذ رؤيته للحظة الأولى أنه «ذكي»، وكان هذا اللقاء في موسكو، حيث كان الكاتب يجري حديثًا صحفيًا مع نيكيتا خروشوف، السكرتير الأول للحزب الشيوعي السوفيتي، في ذلك الوقت، والذي كان «نجمًا صاعدًا في القيادة السوفيتية»، كما قال «هيكل»، بينما كان «الفريق رياض» ضمن وفد عسكري مصري يبرم عقود صفقة سلاح.

ويصف «هيكل» أجواء اللقاء الأول قائلًا: «دعيت إلى حفل عشاء مع الوفد المصري، أقيم له في قاعة الاستقبالات في وزارة الدفاع، وحضره معظم مارشالات الاتحاد السوفيتي الكبار، مالينوفسكي، وتيموشنكو، وجريتشكو، وروكسوسفكي وغيرهم، وكنت والسفير محمد القوني، سفير مصر في موسكو وقتها المدنيين الوحيدين في هذا الجو العسكري الخالص، وكنت أشعر بالغربة فيه، وكان مقعدي على المائدة أمام ضابط شاب من أعضاء الوفد المصري العسكري برتبة لواء، فهمت أنه قائد المدفعية المضادة في الجيش المصري، وأن اسمه عبد المنعم رياض».

43.jpg


كان «الفريق رياض» «فطنًا» حيث أنه وفقًا لـ«هيكل» أنقذه من أزمة كبيرة حين كان «مضطرًا لشرب الفودكا» التي تتعبه كثيرًا.

وقال «هيكل»: «بعد دقائق من بدء العشاء كنت أشعر بالعرفان له، لأنه تدخل لإنقاذي أثناء محاورة بيني وبين المارشال رمودينكو، قائد الطيران السوفيتي، الذي كان يحاول إقناعي بشرب الفودكا، بينما كنت أحاول أن أقنعه بالإشارة أننى سوف أدوخ إذا لمس طرف لساني قطرة واحدة من هذا السائل الأبيض الملتهب، وكان عبد المنعم رياض يتحدث الروسية بطلاقة، ولم يكن هنا كثيرون يتحدثونها فى هذا الوقت المبكر من العلاقات العربية السوفيتية».

كانت تلك أول ليلة التقى فيها صحفي بقائد عسكري أصبح له فيما بعد شأن كبير في البلد خلال فترة من أشد الفترات العسكرية حساسية، لكن هذا القائد العسكري الذي يتحدث الروسية بطلاقة كان له اهتماماته الخاصة وهواياته التي تختلف كثيرًا عن السلاح وصفقاته والجبهات ومعاركها والدبابات وقوتها، وهو ما اكتشفه «هيكل» في لقائه الثاني بـ«الفريق رياض»، حين رآه في اليوم التالي للعشاء في أحد المسارح.

hqdefault.jpg


ويقول «هيكل»، في هذا الصدد: «في الليلة التالية التقينا مرة أخرى ومصادفةً في مسرح البولشوى، وكانت الراقصة الشهيرة إيلينا إيلونوفا تقدم آخر عرض لها لباليه رقصة البجع الشهير، ووجدته أثناء العرض على مقعد قريب من مقعدي، وتقابلنا في الاستراحة ما بين الفصلين لأقول له: لم أكن أتصور أن أجدك في عرض الباليه، كنت أتصور سهرات الضباط أكثر انطلاقًا من أحلام الباليه وموسيقاه التعبيرية ومزيج الأضواء والظلال والألوان فيه، وقال بسرعة وصراحة: هل أنت من الذين يضعون الناس في قوالب ويفاجئون إذا لم يجدوهم على مقاسها؟».

وينهي «هيكل» تفاصيل اللقاء قائلًا: «اعتذرت له صادقًا، ومن يومها بدأت صداقة بيننا، قوية عميقة».
 
مشاهد من حياة عبدالمنعم رياض: «أيقن أن هزيمة إسرائيل لن تتحقق إلا بسلاح الطيران» (ح 3)


%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B9%D9%85-%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B62.jpg

ذات يوم سُمع رجل هادئ الطباع شديد الخلق يقول في إحدى جلساته الخاصة، عبارة تبدو أنها هامة بقدر أهمية الرجل ذاته: «لن نستطيع أن نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة، وعندما أقول شرف البلد، فلا أعنى التجريد وإنما أعني شرف كل فرد، شرف كل رجل وكل امرأة».

هذا الشرف الذي تحدث عنه شديد الخلق ذاك هو الأمر الذي عاش به ومات لأجله وخُلدت ذكراه بسببه ووثق التاريخ ذاكره لذلك السبب الذي لا يضاهيه سبب آخر مهما بلغت درجة قوته، وكما ذكرته أجيال مضت وتذكره أجيال حالية سيتذكرها أيضًا أجيال قادمة ستتعلم درسًا هامًا يقول إنه «لا شرف لهذا البلد بلا معركة».

ذلك الرجل هو الشهيد الذي يتصدر تمثاله أهم ميادين وسط القاهرة، تحت عنوان «ميدان الشهيد عبدالمنعم رياض»، القائد العسكري الذي مات على الجبهة وسط جنوده في شرف، صباح 9 مارس 1969، في الموقع رقم 6.

وفي ذكرى وفاته، تقدم «المصري لايت» مشاهد من حياة عبدالمنعم رياض في شكل حلقات، كتبها الكاتب محمد حسنين هيكل، في مقال له بجريدة الأهرام المصرية، في 10 مارس 1969، عقب وفاة الشهيد بيوم واحد، ونقلها موقع «مجموعة 73 مؤرخين».

43.jpg


المشهد الثالث: آراء الجنرال العسكري في مرحلة التأهب الحذر.

الزمان: أوائل الستينات.

الحدث: التخطيط للحرب.

الرتبة العسكرية للفريق عبدالمنعم رياض: رئيس أركان سلاح المدفعية.

الوضع العسكري: التأهب لحرب مع الإسرائيليين في أي وقت.

خلال سرد الكاتب محمد حسنين هيكل لتفاصيل عدد من الفصول المختلفة في حياة الفريق عبدالمنعم رياض، رصد أيضًا آراء القائد العسكري في أمور العسكرية المصرية، والتي ذكرها في لقاءات خاصة معه لم يتورع في كشفها كونه صديقه.

ويقول «هيكل»: «كانت تلفت نظري في أحاديثه عدة مسائل تتكرر باستمرار، وهي فهمه لدور الطيران في أي معركة قادمة مع إسرائيل، وكان له تصوير مبسط لموقع إسرائيل في المكان الذي تقع فيه من قلب العالم العربي، يقول فيه: تكاد إسرائيل أن تكون في هذا الموقع المطل على الساحل الشرقي للبحر الأبيض، أن تكون حاملة طائرات ثابتة يحتفظ عليها الاستعمار بقوته الجوية التكتيكية، ووراءها الاحتياطي الاستراتيجي له متمثلًا في أساطيله البحرية في هذا البحر الأبيض».

zzzz27.jpg


ويروي «هيكل»: «الفريق رياض كان يرى أن سلاح الطيران يعد أهم الأسلحة التي يجب تطويرها والاعتماد عليها في أي معركة مقبلة مع الإسرائيليين، وكان عبدالمنعم رياض يقول: ما هو السلاح الأساسي لحاملة الطائرات؟ ويجيب بنفسه: الطائرات طبعًا، ويستطرد: إذا أردت أن تضرب فبالطيران قبل غيره، وإذا أردنا ضربها فبالطيران قبل غيره، وإذا فقدت الحاملة طائراتها أصبحت مجرد لوح خشب طاف على سطح الماء، وحرب الطيران هي حرب الانقضاض المفاجئ، حرب السرعة الخاطفة، حرب الأيام المعدودة على أصابع اليد الواحدة، وبعدها يكون النصر أو تكون الهزيمة».

ويبدو أن «الفريق رياض» كان جنرالًا عسكريًا يرى أن القوة العسكرية ليست كل شيء، ولكنه كان يرى أن العلم هو المعركة التي يجب أن تكسلها مصر دومًا، وإذا فازت بها فهي قادرة على كل شيء، وفي هذا الصدد يقول «هيكل»: «عبدالمنعم رياض كان يقدر أهمية العلم في أي معركة، وكان يعتبر أن العلم هو ميزة العدو علينا، باعتبار استعداده الإنساني لاستيعابه، ثم باعتبار حاجته إليه لتعويض نقصه البشرى في مواجهة فيض بشرى عربي، ومن المؤكد أن عبد المنعم رياض ظل إلى آخر يوم في حياته طالب علم، وذلك أعظم ما يمكن أن يكونه أي إنسان مهما علا قدره وارتفع مقامه، وربما ساعد عبد المنعم رياض على حسن تقديره لأهمية العلم الحديث في المعركة، أنه كان بحكم عمله في المدفعية المضادة للطائرات، على اتصال مباشر بتطورات علمية واسعة الأثر، فإن المدفعية المضادة للطائرات أصبحت تعتمد على الصواريخ والتعامل بالصواريخ في حد ذاته مقدرة على الانطلاق إلى بعيد، كذلك فإن تعدد مصادر دراساته في بريطانيا والاتحاد السوفيتي، واستخدامه لأكثر من لغة، الإنجليزية والفرنسية والروسية كلها بطلاقة، إلى جانب العربية بالطبع، أتاح له فرصة رحبة غير مقيدة».

259861776088721049.jpg


ويستكمل «هيكل»: «تلك الصفات لم تكن وليدة الصدفة في الفريق رياض، فالفطنة والحنكة السياسية والتفكير خارج الصندوق كان أهم ما يميزه عند التحدث إليه منذ اللحظة الأولى، ولم يكن ذلك الرأي السائد في مصر فقط، ولكن يبدو أن صيته كان أوسع من ذلك بكثير، فكان هناك في تلك البلد الباردة، في أقصى الشرق، رجل يعيش في الاتحاد السوفيتي، يرى أن الفريق رياض جعل المهمة من بعده صعبة للغاية، فلا يعقل أن يأتي بعده أحدًا يستطيع إحراز ما وصل إليه من تقدم».

وكان الكاتب شاهدًا على إحدى تلك الوقائع التي ذكرها في مقاله، قائلًا: «أذكر مرة في موسكو وكنت أزور كلية فوروشيلوف العسكرية، وأصبح اسمها فيما بعد أكاديمية القيادة العامة العليا للقوات المسلحة السوفيتية، أن قال لي أحد الدارسين المصريين فيها إن عبد المنعم رياض الذي درس هنا قبل سنوات جعل مهمة الذين جاءوا بعده بالغة الصعوبة، إن الجنرال (يابتشنكو)، وهو من كبار المعلمين السوفيت هنا، وكان له تاريخه في الحرب العالمية الثانية، لا يمل دائمًا من أن يكرر للدارسين العرب جملة: على هذا المقعد الرابع، في الدورة الأولى التي اشترك فيها دارسون عرب في هذه الأكاديمية كان يجلس الجنرال رياض».

 
رحم الله الشهيد البطل عبد المنعم رياض القدوه الملهمه التي علمت القاده من بعده الإلتحام مع جنودهم فى ميادين التدريب والقتال والآن نجد الظابط يمجد علي الأرض وسط جنوده ويعرق كما يعرق جنوده حتي وان كان خريج كليه رفيعه الا انه حفيد عبد المنعم رياض ..
 
الجنرال الذهبي
من افضل من انجبتهم العسكرية المصرية علي مدي تاريخها
 
عودة
أعلى