المؤامرة والصراع السياسي في السودان - 1874 - 2006

الرياضي

بكل روح رياضية
إنضم
8 فبراير 2010
المشاركات
4,699
التفاعل
939 0 0
1281192201.jpg
إعداد: جمال الشريف ، باحث سوداني
تكشف الدراسة أسرار الصراع العنيف خارج الحدود، على استقلال السودان، وحول وحدته مع مصر أو استقلاله عنها، وكيف كان اللوبي الحاكم المتحكم في شؤون السودان يقف مع أهدافه وضد الجميع، بريطانيا ومصر والولايات المتحدة الأميركية. المحاور:المحور الأول: اللوبي ضد الجميع. المحور الثاني: مواقف القوى الأجنبية من عملية الاستقلال. المحور الثالث: هوية اللوبي (1874-1956م). أولاً: اللوبي ضد الجميع: بريطانيا، الولايات المتحدة، مصرمنذ أن أعلنت الحركة الوطنية المصرية في 1919, علانية تمسكها بوحدة مصر والسودان ثم المحاولات لإدراج ذلك في الدستور المصري وإعلان لجنة منلر أيضاً لأول مرة ضرورة استقلال السودان عن مصر بدأ الصراع حول تحديد المستقبل السياسي للسودان. وبدأت المفاوضات الرسمية بين بريطانيا ومصر في مطلع العام 1920, ولم يتم التوصل إلى أي اتفاق وبحلول العام 1936, عقدت الدولتان معاهدة صداقة نصت على حكم السودان طبقاً لإتفاقية الحكم الثنائي. في 1938 تكون مؤتمر الخريجين، وفي 1942 تقدم بمذكرة إلى الحاكم العام تطالب بإنهاء الاحتلال وكان على رأس المؤتمر القيادات التي تنادي بالوحدة. وكرد فعل لمطالب مؤتمر الخريجين أنشأ الحاكم العام مجلساً استشارياً لشمال السودان ووعد بتأسيس نظام للحكم الذاتي. وفي 1945 تأسس حزب الأمة بهدف استقلال السودان وتأسس حزب الأشقاء في 1943 بهدف الوحدة مع مصر وإتخذت الإدارة البريطانية من حزب الأمة واجهة للدفع بها نحو الاستقلال. "مجموعة الحاكم العام في السودان بقيادة السير وليم لوس اعترضت على البروتكول ودفعت بحزب الأمة للتظاهر في مناطق عدة من أنحاء السودان" وفي 1946 جددت مصر وبريطانيا إتفاقية عام 1936, ونص التجديد على إعتراف بريطانيا بالتاج المشترك لمصر والسودان وعرف ذلك الاتفاق ببروتكول (صدقي – بيغن) وهما وزيرا خارجية البلدين. اعترضت مجموعة الحاكم العام في السودان بقيادة السير وليم لوس على البروتكول ودفعت بحزب الأمة للتظاهر في مناطق عدة من أنحاء السودان وقام السيد لوس باصطحاب السيد عبد الرحمن المهدي إلى القاهرة ثم لندن للاحتجاج ضد الاتفاقية. في نفس الوقت أبرق الحاكم العام في السودان السير هدلستون مهدداً بريطانيا بأنه ما لم تلغ هذه الاتفاقية فإن البلاد ستتعرض لمذابح الأنصار، ونتيجة لذلك سقطت الإتفاقية وعاد عبد الرحمن المهدي ليصرح لمستقبليه (لقد أنقذت بلادي من براثن الاستعمار ويقصد بذلك مصر). يعتبر وليم لوس الذي نجح في اسقاط الإتفاقية هو العقل المخطط والمدبر للمعركة السياسية المتجهة نحو تحقيق استقلال السودان عن مصر، وقد كان لوس حاكماً للنيل الأزرق منذ 1930، وفي 1941 عين مستشاراً للشؤون الدستورية والخارجية للحاكم العام وهي الوظيفة الاستشارية التي أنشأها ونجت لسلاطين عام 1900م. وعبر هذه الوظيفة إستطاعت المجموعة البريطانية في السودان (اللوبي), من رسم السياسات وفرضها على الحاكم العام وعلى الحكومة البريطانية, وذلك على النحو الوارد في دور المجموعة البريطانية في استقلال السودان في هذا التقرير (ص27). في 25/1/1947, قطع النقراشي باشا المفاوضات مع الإنجليز حول السودان ورد الحاكم العام بعقد مؤتمر أعلن فيه إنشاء مجلس تنفيذي وجمعية تشريعية للسودان. وفي 1948, أصدر الحاكم قراراً بتشكيل المجلس التنفيذي من (12) عضواً, منهم ثلاثة بريطانيين وجمعية تشريعية من (79) عضواً وأصبح عبد الله خليل وزيراً للزراعة ورئيساً للمجلس التنفيذي.
وأهمية هذه التطورات هي في كونها تعكس التكتيك السياسي الذي أتبع, وهو بناء الدولة السودانية تحت واجهة الحكم الذاتي ثم تحويله إلى الإٍستقلال التام وهي الإٍستراتيجية التي نجحت في النهاية. وقد تم اللجوء إليه بعد أن طلبت الحكومة البريطانية من مستشاريها القانونيين الإفادة حول قانونية مطالب مصر في السودان وقد تقدم المستشارون بمذكرة أكدوا فيها أحقية مصر قانوناً بضم السودان وأشاروا إلى أن أي نزاع قانوني في هذا الخصوص يجئ الحكم فيه لصالح مصر. وقد توصلوا الى هذا الاستنتاج بعد تقييمهم للخيارات المطروحة بشأن السودان. فقد قالت المذكرة المقدمة الى مجلس الوزراء البريطاني ان هناك ثلاث نظريات بشأن السيادة على السودان وهي: أ- بعد ثورة المهدي الناجحة, فقد السلطان العثماني ومصر الحق الشرعي الذي كان لهما في السودان, وصار السودان إما مستقلاً وإما أرض بلا صاحب أو مالك. وقد فتح السودان في حملة بريطانية مصرية مشتركة, ونصت اتفاقية الحكم الثنائي على ادارة مشتركة ولم تورد أي شرط بشأن السيادة العليا عام 1898 على الاطلاق, وإذا لم يوجد حق السيادة بل مجرد ترتيبات للإدارة المشتركة, تكون السيادة مشتركة مثلها مثل الإدارة. ب- إن سيادة مصر على السودان المستمدة من السلطة العثمانية لم تسقط ابداً, لكن السودان أعيد فتحه لمصر, وهناك إتفاقية تنص على أن الإدارة مشتركة, ووفقاً لهذه النظرية يكون لمصر كامل السيادة على السودان , غير إنها ملتزمة بإتفاقية الادارة المشتركة. ت- إن سيادة مصر على السودان المستمدة من السلطة العثمانية لم تسقط كلية بعد ثورة المهدى وإعادة فتح السودان تم بإسم الخديوى وإتفاقية الحكم الثنائى هي مجرد إتفاقية للإدارة المشتركة وإن السيادة العليا على السودان هي للباب العالى العثمانى . ولكن فى الحرب العالمية الاولى ونتيجة لها لم يعد للباب العالى سيدا على مصر , فقد إحتلت المملكة المتحدة كسلطة حماية مكان السلطان العثمانى من حيث السيادة العليا على السودان , وفى عام 1922 عندما حصلت مصر على الإستقلال تحفظت المملكة المتحدة على مسألة السودان وبذلك غحتفظت بحق السيادة العليا الذى أخذته من تركيا بحرب ناجحة وعلى ذلك تكون السيادة العليا على السودان للمملكة المتحدة. وبعد إستعراض المذكرة للنظريات الثلاث بشأن السودان قالت بأن النظرية (ب) والتى تقول بأن لمصر السيادة العليا على السودان هي النظرية التى يرجح ان تقرها أي محكمة دولية , كما إن الإشارة إلى الوحدة بين السودان ومصر فى ظل التاج المصرى التى وردت فى برتكول السودان فى معاهدة ( صدقى- بيفن ) يمكن الإستشهاد بها كإقرار من بريطانيا بوجهة النظر المذكورة . ونتيجة لهذه المذكرة إتجهت السياسة البريطانية الى إتباع طريق آخر بشأن السودان وهو اعداد السودانيين للمطالبة بالإستقلال من مصر. وبتاريخ 11/10/1951 , ألغت مصر إتفاقية الحكم الثنائي لعام 1898 , وإتفاقية الصداقة لعام 1936 , وأعلنت عن وحدة مصر والسودان وعن ترتيبات سياسية ودستورية للبلدين ووفقاً لهذا الإلغاء تعود سيادة السودان إلى مصر وفقاً للفرمانات التي أصدرتها تركيا لضم السودان في عام 1840 , 1841. حذر الحاكم العام في السودان حكومته من الإعتراف بقرارات الإلغاء المصرية , وطالب بإصدار بيان لإدانة مصر وأصدرت الحكومة البريطانية بيانها الرافض وأشارت في حيثياتها إلى أنها لاحظت أن السودان يخطو منذ سنوات ومازال يخطو نحو الحكم الذاتي ويسر الحكومة أن تعرف من حاكم عام السودان أن دستوراً متضمنا للحكم الذاتي قد ينتهي إعداده قريباً . وفعلاً أصدر الحاكم العام في السودان مشروع الدستور الذي أشارت إليه الحكومة في بيانها كرد فعل لإلغاء مصر لاتفاقية 1898 , وتضمن مشروع دستور الحكم الذاتي: أ.تكوين مجلس وزراء سوداني. ب.تشكيل البرلمان السوداني من مجلسين أحدهما للنواب ويتكون من 97 عضواً وآخر للشيوخ يتكون من 50 عضواً. ‌ج.الحاكم العام هو السلطة الدستورية العليا. "مقترح الدستور أحدث تحولاً في الصراع السياسي إذ أصبحت مصر لأول مرة في مواجهة السودانيين"وقد أرسل الحاكم العام نسخة من المشروع إلى الحكومتين البريطانية والمصرية في 2/5/1952 للموافقة عليه خلال ستة أشهر وإلا أعتبر نافذاً. وافقت بريطانيا على مشروع الدستور بينما رفضتها مصر متعللة بأنها ألغت الإتفاقية وتعتبر السودان جزءاً منها ، وأحدث مقترح الدستور تحولاً في الصراع السياسي إذ أصبحت مصر لأول مرة في مواجهة السودانيين. وفي هذا الأثناء قامت ثورة يوليو في مصر وأطيح بالملك فاروق وأستلم الضباط الأحرار زمام الحكم واقترحت اللجنة التي كلفها مجلس قيادة الثورة بتحديد السياسة الخاصة بالسودان التخلي عن أسلوب التمسك بالوثائق والحجج القانونية والتاريخية والقبول بمشروع الدستور السوداني المقترح الذي يعطي الشعب السوداني الحق في تقرير مصيره. وقد قبلت مصر بهذه السياسة على أساس قناعتها الراسخة بأنه إذا ترك السودان ليقرر مصيره فإنه سيختار الإتحاد , وكي تضمن نجاح هذه العملية رأت ضرورة إبعاد الجهاز الإداري والسياسي البريطاني في فترة تقرير المصير حتى لا يؤثر في إختيارات الشعب السوداني ، وهذا يعني تعديل مشروع الدستور المقترح لينص على الحرية التامة للسودانيين لحظة ممارسة حق تقرير المصير. وبهذه التطورات أصبح مشروع الدستور المقترح هو محور الصراع السياسي ، مصر تريد إنهاء الوجود البريطاني وسلطات الحاكم العام أثناء فترة الحكم الذاتي ، وبريطانيا تحاول الإبقاء على نفوذها لتوجيه تقرير المصير نحو الإستقلال ، وأخذ الصراع حول تعديل الدستور وقتاً طويلاً إلى أن تدخلت الولايات المتحدة وضغطت على بريطانيا للقبول بالمقترحات المصرية. وقد كانت الولايات المتحدة وحلف الأطلسي قررتا عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية تشكيل سلسلة من منظمات الدفاع الإقليمي لحصار الإتحاد السوفيتي ، وقد تم إختيار مصر لتكون قاعدة منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط ، وعندما عرضت الفكرة عليها ربطت موافقتها لإنشاء الحلف بجلاء القوات البريطانية عن السودان , ومنذ ذلك الوقت تعرضت بريطانيا لضغوط قوية من الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا للتنازل عن السودان لمصر مقابل إتفاقية الدفاع المشترك. وكانت بريطانيا نفسها ترى مصلحتها الإستراتيجية فى التنازل عن السودان مقابل الحصول على الإتفاقية إلا أن ضغوط إدارتها المدنية فى السودان منعها من إتخاذ مثل ذلك الموقف. إزاء هذا الوضع قبلت بريطانيا بالتعديلات المصرية على الدستور , وبتاريخ 12 /2 / 1953 , إتفقت الدولتان على: أ.إقامة حكم ذاتي خلال فترة إنتقال مدتها ثلاثة سنوات. ب.تشكيل مجلس للنواب ، ومجلس للشيوخ ومجلس للوزراء. ج.يتم إنتخاب جمعية تأسيسية في نهاية الثلاث سنوات لتقرر مصير السودان. د.تقييد سلطات الحاكم العام بتكوين لجنة توافق على قرارته. ه.تكوين لجنة دولية للإشراف على الإنتخابات. و.سودنة الوظائف خلال ثلاثة سنوات من بدء تنفيذ مشروع الحكم الذاتي وبهذه الاتفاقية يكون الحكم الثنائي الذي حكم البلاد منذ 1898 , قد سقط نهائياً وتحول مصير السودان إلى البرلمان الذي سيقرر إما الوحدة أو الإستقلال التام ، وستكون الإنتخابات القادمة التي ستشكل البرلمان هي ساحة الصراع والتنافس ، بريطانيا تدفع بحزب الأمة للفوز بنتيجة الإنتخابات لإعلان الإستقلال ومصر تدفع بحزب الأشقاء للفوز لإعلان الوحدة."تلقى حزب الأمة إستعداداً للإنتخابات دعماً مالياً من بريطانيا عبر الإتفاق الموقع بين الطرفين في 1953 ، وقد كانت بريطانيا قررت الدفع بحزب الأمة إلى الإستقلال" وإستعداداً للإنتخابات تلقى حزب الأمة دعماً مالياً من بريطانيا عبر الإتفاق الموقع بين الطرفين في 1953 ، وقد كانت بريطانيا ومنذ أن قررت الدفع بحزب الأمة إلى الإستقلال ألغت قرار التحفظ على السيد عبد الرحمن المهدي ، وذهب المهدى مع وفد الأعيان إلى بريطانيا عام 1919 , ومنح لقب سير من الحكومة البريطانية عام 1926 , وساعدته الحكومة بالمهندسين الزراعيين لإقامة المشاريع , وسافر إلى بريطانيا مرة أخرى مع وليم لوس للوقوف ضد معاهدة 1936م ، ثم مرة أخرى في 1942 و1946 للإحتجاج ضد بروتوكول ( صدقي ـ بيفن ) حتى أسقطه. كذلك تلقى الحزب الوطني دعماً مالياً للإنتخابات عن طريق صلاح سالم , وذلك على النحو الذي إنكشف في الفضيحة المشهورة بعد أن إعترف السيد خلف الله خالد وزير الدفاع وأمين المال بالحزب الوطنى , عام 1955 , بالمبالغ التي إستلمها من مصر وصرفها على الحزب وقادته , كذلك أشارهيكل فى برنامجه بقناة الجزيرة بتاريخ 6/10 /2006 , إلى أن مصر صرفت عام 1952 , ما لا يقل عن المليون ونصف جنية , للحزب الإتحادى. قام الرئيس المصري محمد نجيب بدعوة جميع الأحزاب الإتحادية : حزب الأشقاء ، حزب الأشقاء جناح محمد نور الدين ، حزب الإتحاديين ، حزب الأحرار الإتحاديين ، حزب الجبهة الوطنية , وبعد مفاوضات قصيرة نجح محمد نجيب في دمج جميع هذه الأحزاب تحت إسم الوطني الاتحادي وإختار له الأزهري رئيساً. جرت أول إنتخابات حرة في السودان في 1953 , وفاز الحزب الوطني الإتحادي بالأغلبية المطلقة وحصل على 51 مقعداً من أصل 97 مقعد في مجلس النواب وعلى 22 مقعد في مجلس الشيوخ من أصل 30 مقعدا , بينما سقط حزب الأمة وحصل على 22 مقعد في النواب وثلاثة مقاعد في الشيوخ , بينما حصلت الأحزاب الأخرى , الشيوعيون ، الجبهة المعادية للاستعمار والمستقلون على باقي المقاعد. وبهذه النتيجة يفترض أن يكون مصير السودان قد تقرر وهو الإتحاد مع مصر لتنتهى بذلك الجهود الطويلة المتواصلة للإدارة البريطانية في السودان لمنع هذه الوحدة. وفي أول رد فعل بريطاني على هذه النتيجة , طالب عدد من النواب في مجلس اللوردات بالتدخل العسكري لحرمان البرلمان من إتخاذ أي قرار، وطالب حزب الأمة بإلغاء النتيجة وإجراء إنتخابات أخرى وكرر الحاكم العام نفس المطالب إلا أن جميع هذه المقترحات إصطدمت بالرفض الأمريكي الذي يرى ضرورة إكمال هذه العملية السياسية لحسم موضوع السودان من أجل حسم مشروع إتفاقية الدفاع المشترك المعلقة. لجأ حزب الأمة والإدارة البريطانية في السودان إلى تكتيك آخر لإفشال نتائج الإنتخابات وهو إستخدام صلاحيات الحاكم العام الدستورية الخاصة بالطوارئ ، فقد نصت إتفاقية 13نوفمبر 1953, بين بريطانيا ومصر والتي قامت الإنتخابات بموجبها فى المادة ( 102 ) , على أنه يجوز للحاكم العام إعلان حالة الطوارئ في حالات الشغب أو عدم التعاون , ويقضي الإعلان عنها حل البرلمان ومجلس الوزراء وإنتقال السلطات إلى الحاكم العام. إنتهز حزب الأمة دعوة الرئيس المصري محمد نجيب لحضور إفتتاح البرلمان وحشد إنصاره من جميع ولايات السودان في الخرطوم , وعندما وصل الرئيس المصرى تحولت مظاهرات الاحتجاج السلمية التي وعد بها حزب الأمة إلى اشتباك مسلح مع عناصر الشرطة ووقعت المجزرة المعروفة بحوادث مارس 1954م. ونتيجة للشغب الناتج عن الأحداث طالب حزب الأمة الحاكم العام بإعلان حالة الطوارئ، إلا أن الخطة لم تنجح لرفض بريطانيا بضغوط من الولايات المتحدة , وقد كان حزب الأمة يأمل في إسقاط الإنتخابات بمظاهرات مارس 1954م مثلما نجح في إسقاط إتفاقية (صدقي- بيفن ) بمظاهرات 1946م. ولمواجهة مأزق نتيجة الإنتخابات إستدعت الخارجية البريطانية بتاريخ 15/5/1954 , كل من السيد وليم لوس والحاكم العام في السودان والسيد جرافتي سميث عضو لجنة الحاكم العام للتشاور حول الخطوات المقبلة. وافق الاجتماع على الإستراتيجية التي حدده وليم لوس, والقاضية بالتخلي عن حزب الأمة والتحول لكسب الحزب الفائز بالإنتخابات وتحويله نحو الإستقلال وإقترح لوس دعوة الأزهري إلى زيارة لندن لهذا الغرض فى هذه المذكرة الى ارسلها الى لندن وهي: -حكومة الأزهرى , بأتباع سياسة السودنة والجيش والشرطة , تريد زيادة نفوذها حتى تضمن النجاح فى الجمعية التأسيسية التى ستقرر مصير السودان, وتوآجهة أي تهديدآت للأمن من الأنصار. -يؤيد الحزب الوطنى إستمرار الحاكم العام البريطانى فى المرحلة الإنتقالية لأن نفوذه يحميه من عنف الأنصار ويدعم قوته. -هناك توتر داخل الحزب, ولكننا لا نتوقع إنقساماً حقيقياَ فى صفوفه , لأن كل جناح فيه سيخسر , وسيتضامنون جميعاً مهما كان الثمن. -إنهم رجال الحزب الوطنى الإتحادى , وطنيون قبل أن يكونوا وحدويين . وكلما ذاقوا السلطة وزادت قوتهم , فإن شعورهم الوطنى سيتصاعد. ولا يجب أن نتوقع منهم الإستغناء عن الدعم , والتخلص من هذا النفوذ. -لا يعنى الحكومة البريطانية أن يجئ الاستقلال على يد الحزب الوطنى أو حزب الأمة . لقد أيدنا حزب الأمة لأنه أيد الاستقلال علنا. بل هناك عدة حجج تؤيد نظرية أن الإستقلال على يد الحزب الوطنى يحقق أهداف الحكومة البريطانية أكثر مما لو جاء على يد حزب الأمة . فالحزب الوطنى يستطيع الإعتماد على الجيش والشرطة , فضلا عن إن استقلاله على يد المهديين سيكون ضحية لمؤمرات مصر والختمية. -السياسة التى حددها أنتونى فى يناير 1954 , من إقامة الجسور مع الحزب الوطنى والإحتفاظ بصداقة السيد عبد الرحمن المهدى , تعنى الوقوف موقف المتفرج . لأن هذين الهدفان متعارضان , لقد حان الوقت لنقلل من إرتباطنا بالمهدى وحزب الأمة , والإرتباط بالحزب الوطنى . على أن يتم ذلك بطريقة غير متطفلة , وإلا أدت للفشل فى تحقيق أهدافها , والخطوة الأولى هي دعوة الأزهرى لزيارة لندن. -يجب أن نستمر فى إقناع المهدى وممارسة نفوذنا لمنعه من القيام بإي عمل عنيف رغم معرفتنا إننا بذلك ننهى حياته السياسية . وسيسمى السيد عبد الرحمن المهدى ذلك خيانة . ولكن يجب أن نواجه الحقائق , ونحن لسنا مدينين للمهدى أو حزب الأمة. -حكومة السودان ستحتاج لخمسين مليون من الجنيهات عدا مواردها خلال السنوات العشر القادمة . لمشروعاتها الحيوية . ويجب أن تقدم بريطانيا مبادرة فى هذا المجال اثناء زيارة الأزهرى للندن. -ونأمل أن يستطيع رئيس مكتب التجارة ووزير الطيران المدنى رؤية وزير المواصلات السودانى مبارك زروق عندما يأتى لهذا البلد فى سبتمبر إذ له تأثير كبير فى مجلس الوزراء السودانى. -كذلك نأمل فى دعوة من البرلمانيين السودانيين إلى لندن. "الأزهرى زار لندن واحتفى به وتم التشاور معه وإغرائه بميزات الدولة المستقلة وإعطائه تأكيدات قاطعة بأن بريطانيا ودول أخرى ستعترف فوراً بالسودان إذا ما أعلن الاستقلال"وقد كان لوس منذ إعلان نتيجة الإنتخابات توجه لإستطلاع آراء ومواقف الحزب ورئيسه الأزهري عن قضية الوحدة والانفصال , ورأي وفقاً لتقديراته أنه بالإمكان دفع الحزب نحو الاستقلال , فقد استقبل السيد وليم لوس السيد ميرغنى حمزة وهو احد أقطاب الختمية إلى منزلة بعد فوز الاتحاديين للتشاور حول مواقف واراء الحزب فى المرحلة القادمة , ثم إلتقى لأول مرة بالسيد إسماعيل الازهرى وأكد له تعاون الموظفين البريطانيين مع حكومة الازهرى القادمة وقال لوس فى برقيته إلى لندن ( كان الازهرى لطيفا ووديا وأكدنا حسن النوايا المتبادلة واتفقنا على التشاور المستمر , ولكن كان الأزهرى حذرا جدا , وأعتقد هذه بداية معقولة ومرضية لعلاقتنا مع الحزب الوطنى الفائز و وتساعد على تهدئة شكوكهم بالنسبة للنوايا البريطانية). قبلت لندن باقتراحات السيد وليم لوس وقدمت الدعوة إلى الأزهري , وفى 8 نوفمبر زار الأزهرى لندن واحتفى به وتم التشاور معه وإغرائه بميزات الدولة المستقلة وإعطائه تأكيدات قاطعة بأن بريطانيا ودول أخرى ستعترف فوراً بالسودان إذا ما أعلن الاستقلال. وقد كانت هذه هي الزيارة التى غيرت مصير السودان وتحول الأزهرى من الوحدة إلى الاستقلال أو كما يقول المصريون تلقى فيها (الوحى بالاستقلال) وقد كان الأزهرى قد أدلى بتصريحات صحفية لإذاعة لندن عكس فيها التحولات الجديدة التى توصل إلها بشان العلاقة مع مصر حيث قال (رأي الشخصى الذى توصلت إليه الآن وأريد أن أعرضه على لجنة الحزب التنفيذية لمناقشته مع غيره من الآراء بغرض الأخذ به أو تعديله أو تبديله ثم عرض ما توصل إليه اللجنة التنفيذية على الهيئة العامة والهيئة البرلمانية للحزب لإقراره هو: أ.أن يكون للسودان جمهورية برئيسها ومجلس وزرائها كما أن مصر جمهورية. ب‌. ب.أن يكون الاتحاد أو الرباط الذى يربط السودان بمصر فى اتحادهما هو مجلس أعلى يضم مجلس الوزراء السودانى ومجلس الوزراء المصرى , يجتمعان معا مرة او مرات كل عام لبحث المسائل المشتركة كالدفاع والسياسة الخارجية ومياه النيل. ت.تعرض قرارات المجلس الأعلى على البرلمان لإقرارها أو نقضها أو تعديلها. وما يؤكد من أهمية تلك الزيارة تمسك بريطانيا إلى الآن بالوثائق الخاصة بتلك المحادثات وعدم الإفراج عنها على الرغم من إنقضاء المدة القانونية والإفراج عن جميع الوثائق الأخرى. 1. 39. وفى هذا الوقت خلدت السياسة المصرية إلى الراحة إنتظاراً للأزهري كي يعلن الإتحاد بينما نشطت المجموعة البريطانية وبسرية تامة في دفع الأزهري نحو الإستقلال .وأعتقد أن مصر لم تكن تدرى بهذه التحولات الداخلية فى الحزب الاتحادى الفائز على الرغم من شكوكها على تصريحات الازهرى الأخيرة فى لندن , وقد كان الأزهرى غادر الى القاهرة عقب تلك التصريحات وهناك طمأن القيادة المصرية بان تصريحاته تلك للاستهلاك المحلى ولاسكات المعارضة التى تتهمه بالخضوع الى مصر , ومن غير المعروف حتى الان اللحظة الى عرفت فيها مصر بنوايا الازهرى الحقيقية حول الاستقلال , ومع ان الكثيرين يشيرون الى ان مصر قد تفاجئت بالاستقلال بعد اعلان الازهرى فى البرلمان الا انه من المحتمل ايضا ادراك مصر لذلك قبل التاريخ المذكور وبالتحديد قبل اندلاع التمرد الاول فى اغسطس عام 1955 , فوفقا للمعلومات التى اورده الكاتب المصرى محسن محمد عن دور السيد صلاح سالم فى هذا التمرد يؤكد علم مصر المسبق بتحولات الازهرى , فقد كانت الاحداث التى سبقت او رافقت التمرد وتشير الى الدور المصرى هي: • قيادة السيد الفنسو أفندى يوسف كوزمة المصرى الجنسية, ورئيس نقابة عمال مشاريع الإستوائية لأحداث انزارا , وهي الأحداث التى ساهمت في إشعال التمرد لإرتباطها بالوثيقة المزورة التى قيل أنها صادرة من رئيس الوزراء السيد إسماعيل الأزهري ويأمر فيها بإضطهاد الجنوبيين , وقد وزعت هذه الوثيقة بصورة واسعة فى الجنوب قبل إندلاع التمرد , وكان أحداث أنزارا بمثابة التأكيد العملى حيث أعتبر الجنوبيين أن إطلاق النار على المتظاهرين يؤكد توجهات الحكومة التى جاءت في المنشور . • القبض على السيد دانييل جومي المذيع بإحدى اللهجات الجنوبية فى إذاعة القاهرة ضمن المتظاهرين وحكم عليه بالإعدام . • مذكرة اللواء أحمد محمد قائد قوات دفاع السودان إلى الحكومة بخصوص قيام طائرات مصرية بإلقاء مناشير فى الجنوب , وكذلك مذكرة حاكم الإستوائية بخصوص تزايد الأنشطة المصرية وإجتماعات مهندسي الرى المصرى بالمواطنيين الجنوبيين. • شكاوى الحاكم العام البريطانى فى السودان إلى حكومته بخصوص الرشاوى المصرية فى الجنوب. مذكرة السياسيين الجنوبيين ( وزراء , برلمانيين , أعضاء لجنة الحاكم العام ) إلى الحكومة السودانية والمطالبة بتحويل مسئولية تنمية الجنوب إلى مصر , وكذلك مطالبة حزب الأحرارا الجنوبى إلى الإتحاد مع مصر. وبعد موافقة الأزهرى بالإستقلال وفقاً للمحادثات التي تمت في لندن , إجتمع مع محمد أحمد محجوب زعيم المعارضة في البرلمان وإتفقا على ضرورة إختصار إجراءات الإستقلال وذلك بجعل البرلمان الحالي يقوم بإعلان الإستقلال بدلاً من إنتظار قيام جمعية تأسيسية في 1957م لتقرر مصير السودان. ولتهيئة المناخ السياسي لهذا الحدث قامت الإدارة البريطانية من جانبها أيضاً بإختصار إجراءات السودنة لتتم في تسعة أشهر بدلاً عن ثلاث سنوات كما قدم الحاكم العام إستقالته وذهب في إجازة إلى أوربا وقد كان الهدف من هذه الترتيبات طمأنة مصر حتى لا تنتبه إلى ما يجرى ومن جهة أخرى لإبعاد أي شبهة عن الحكومة البريطانية عند إعلان الإستقلال. ومع إكتمال هذه الترتيبات إنحرف الأزهري أثناء إجاباته لأعضاء البرلمان حول القضايا الخارجية في جلسة 15/12/1955 , إلى موضوعا آخرا قال فيه : إن مهمة حكومتى محددة بالجلاء وقد تم والسودنة وقد تمت ولم يبق إلا الإستقلال وقد تم أيضاً وسوف أعلنه يوم الأربعاء 19/12/1955. وقد كان ذلك أول مرة تسمع مصر فيها بإستقلال السودان وكذلك نواب البرلمان وأن الأربعة أيام المتبقية ليست كافية لأي جهة لتعطيل الإستقلال , ونال السودان بذلك إستقلاله ( فى حفلة شاى أو كوكتيل ) , أقيم لإستلام مفاتيح ثكنات الجيش ولإنزال العلم البريطانى ووداع الحكومة المدنية البريطانية فى يناير 1956 , وقبل اكثرمن عام كامل من الوقت المحدد حيث يفترض أن تتم هذه الإجراءات فى 1957. ثانياً: موآقف القوى الأجنبية من عملية الإستقلالالموقف البريطانى: لم يكن السودان ضمن المصالح السياسية والإستراتيجية لبريطانيا منذ قيام السودان الحديث في 1820 ، وقد عكست مواقفها من القضايا السودانية الثبات على هذا المبدأ وإتفق جميع السياسيين والإٍستراتيجيين البريطانيين مع هذه التوجهات الحكومية وكان السودان وفقاً لتعبيراتهم بلداً صحراوياً وجافاً وأجرداً لا قيمة له لبريطانيا. وقد تأكدت مصداقية هذه النظرة بعد الإستقلال فقد رفضت بريطانيا طلب السودان للإنضمام إلى الكومنولث وعللت رفضها بأنه ليس للسودان أي ميزة إقتصادية أو إستراتيجية وأنه سيصبح عالة عليها. وقد كان رد وزارة الخارجية البريطانية لحاكم عام السودان السيد نوكس هيلم تؤكد النظرة البريطانية الرافضة , فقد قال وزير الدولة لنوكس : ليس لدينا سوى مبلغ محدد من المال المتاح للإستثمار وأمامنا مطالب كثيرة من دول الكومنولث ولنا فيها مصالح كبيرة إقتصادية وإستراتيجية وليس لدينا إهتمام كبير بالسودان وستسئ إلينا إذا ربطتنا بأي تعهدات مالية , ولا يعنى ذلك أننا نرغب فى نفض أيدينا منه بل على العكس يمكننا أن نكون أصدقاء له ويمكننا إمداده بالمشورة الفنية ومساعدته فى الأمم المتحدة وبإختصار نحن نرغب فى أن تكون لنا علاقة صداقة وثيقة بالسودان لكن ليست من سياستنا تحويل هذا البلد إلى عالة علينا."بريطانيا الرسمية إتسمت سياساتها الخاصة بالعلاقات السودانية المصرية بتبني وجهة النظر المصرية وهي أن السودان جزء من مصر" وترتبت على هذه النظرة المواقف البريطانية الرافضة للتدخل في الشأن السودانى منذ سنوات الحكم التركي المصرى والمهدية والحكم الثنائي , وكذلك ترتبت عليها عدم دخول بريطانيا فى إتفاقيات إقتصادية أو عسكرية أو سياسية بعد الإستقلال. ولأن مصر كانت على النقيض من السودان إذ أنها تمثل مصلحة إستراتيجية وإقتصادية لبريطانيا منذ مشاركتها في قناة السويس وتحويل تجارتها الخارجية إلى الهند وآسيا عبر القناة فقد إتسمت سياساتها الخاصة بالعلاقات السودانية المصرية بتبني وجهة النظر المصرية وهي أن السودان جزء من مصر. وأثناء العملية الإستقلالية وقعت بريطانيا بين ضغوط مصالحها القومية والإستراتيجية مع مصر وضغوط الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وضغوط حكومتها المدنية في السودان وكانت المحصلة , التقلب بين الموافقة بضم السودان إلى مصر مثلما قررت ذلك في إتفاقية 1946 , وفى الإجتماعات المنعقدة مع الجانب الأمريكي في الأعوام 6/1/1952 ، 28/2/1949 ، 13/1/1949 ، 23/12/1954 , أو التراجع إلى تأييد الإستقلال إستجابة لضغوط المجموعة البريطانية. ومع طرح مشروع الحكم الذاتي وجدت بريطانيا الحل الوسط وهو ترك موضوع السودان لبرلمان الحكم الذاتى القادم ليقرر فيه وثبتت على هذه السياسة التي كانت مرضية لجميع الأطراف حتى قرر السودان مصيره في 1955 , وإبتعدت بعد ذلك نهائياً عنه. والنقطة الجديرة بالإقرار هي : إن الدور الذي لعبته بريطانيا في عملية إستقلال السودان لم يكن نابعاً من مصالحها السياسية والإستراتيجية وإنما كان بفعل الضغوط والقوة التي مارستها عليها حكومتها المدنية في السودان. الموقف الأمريكى: سيطر مفهوم الأمن الجماعي على السياسة الخارجية الأمريكية منذ إنتهاء الحرب الباردة ونتج عن ذلك توقيع معاهدة حلف الأطلنطي في 1949 للدفاع عن أوربا ثم أعقبه تأسيس حلف البلقان للدفاع عن شرق آسيا وكذلك منظمة جنوب شرق آسيا وبقيت منطقة الشرق الأوسط. توقعت هيئة الأركان المشتركة لحلف شمال الأطلنطي أن تقوم روسيا بالتقدم نحو مناطق فى الشرق الأوسط على إعتبار أنها مواقع ( سهله ) , ومن ثم بدأت الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي التخطيط لإقامة منظمة الدفاع الإقليمى عن الشرق الأوسط. (MEDO) , وأختيرت مصر لتكون قاعدتها ربطت مصر موافقتها لإنشاء الحلف بجلاء القوات البريطانية عن قناة السويس وعن السودان وبذلك إرتبط موضوع السودان مباشرة بالتطورات السياسة للشرق الأوسط. فرضت الرغبة الإستراتيجية فى إنشاء منظمة الدفاع الإقليمي على الولايات المتحدة أن تقبل بوجهة النظرة المصرية بشأن السودان وبدأت الولايات المتحدة الضغط على بريطانيا للتخلى عن السودان مقابل الإتفاقية. ففي 21/11/1950 , طلبت الخارجية الأمريكية إلى الحكومة البريطانية , إعادة النظر في مسألة السودان على أساس برتوكول (صدقي – بيفن ) , الذى يعني إعتراف بريطانيا بوحدة مصر والسودان. في 9/6/1952 , أوفدت الولايات المتحدة هنري بارود وكيل الخارجية لإقناع بريطانيا بالإعتراف باللقب المشترك لمصر والسودان. في 23/6/1952 , أوفدت الولايات المتحدة السيد ريتشارد ميرفي وكيل وزارة الدفاع إلى السودان وعرض ميرفي مبلغ ( 3 مليون جنيه ) كراتب سنوي للسيد عبد الرحمن المهدي ووظيفة نائب خديوي إذا ما وافق على الوحدة مع مصر. 21/7/1952 , تقدم هنري بارود وكيل الخارجية الأمريكية بمذكرة إلى بريطانيا تعترف فيها باللقب المشترك. "النقطة الجديرة بالإستخلاص هي أن الولايات المتحدة كانت مع وجهة النظرة المصرية بشأن السودان وهي الوحدة" 10/11/1952 , إنذار أمريكي إلى لندن في المباحثات التي ضمت وكيل الخارجية الأمريكي ووزير الخارجية البريطاني ومساعده وقال المبعوث الأمريكي أن المباحثات بشأن السودان غير مثمرة وأن أمريكا تحتفظ لنفسها بحرية الحركة عن بريطانيا. يناير 1952 , بدأت الولايات المتحدة التفكير جدياً بالإعتراف وحدها باللقب وقدم ويلز شايلر مدير القسم المصري بوزارة الخارجية مذكرة إلى وزير خارجيته دين أسيتشوس قال فيها : نحن نرى قبول اللقب الملكي فى إطار حق تقرير المصير ويجب أن لا نأمل في إتفاقية الدفاع المشترك مع مصر دون مواجهة صريحة وواقعية للمسألة السودانية. أثناء هذه التطورات والضغوطات وافقت كل من مصر وبريطانيا بحق تقرير المصير ووقعت إتفاقية بهذا المضمون فى 12 فبراير 1953 , وتحول مصير السودان إلى السودانيين لأول مرة. ولذلك وعندما حاول الحاكم العام وبريطانيا وحزب الأمة إلغاء نتيجة الإنتخابات بعد خسارتهم لها رفضت الولايات المتحدة هذه الخطوة وضغطت لإكمال العملية السياسية. وقد قال وزير الخارجية الأمريكية في إحدى مراحل تعثر المفاوضات في 1953 , بشأن موضوع جنوب السودان : ( حرام أن يتغير مصير الشرق الأوسط كله , بسبب كلمة واحدة إسمها الجنوب). والنقطة الجديرة بالإستخلاص هي أن الولايات المتحدة كانت مع وجهة النظرة المصرية بشأن السودان وهي الوحدة. موقف المجموعة البريطانية فى السودان: فى 1946 , أوفدت المجموعة البريطانية فى السودان السيد عبد الرحمن المهدى على رأس وفد سودانى للإحتجاج لدى الحكومة البريطانية والمطالبة بإلغاء إتفاقية ( صدقى – بيفن ) , وهي الإتفاقية التى إعترفت فيها بريطانيا بالوحدة , كذلك هدد الحاكم العام الحكومة البريطانية بأن البلاد ستتعرض لمذابح الأنصار إذا لم تلغ الإتفاقية وأوعز إلى جماهير حزب الأمة بالتظاهر ونتيجة لذلك تم إلغاء الإتفاقية عام 1947م. "المجموعة البريطانية فى السودان أوفدت السيد عبد الرحمن المهدى على رأس وفد سودانى للإحتجاج لدى الحكومة البريطانية والمطالبة بإلغاء إتفاقية ( صدقى – بيفن ) التى إعترفت فيها بريطانيا بالوحدة " فى 1950 , بدأت المناقشات بين وزيرى الخارجية المصرى والبريطانى خشيت الإدارة البريطانية فى السودان عودة بريطانيا للإعتراف بالتاج المصرى , ولقطع الطريق أمامه أوعز الحاكم العام إلى الجمعية التشريعية لمناقشة مشروع الحكم الذاتى للسودان فى نفس يوم بدء المفاوضات وأقرته فى نفس اليوم بعد مداولات إستغرقت 18 ساعة متواصلة. وكان ذلك يعنى سحب ملف السودان من جدول المناقشات المصرى البريطانى الأمر الذى أغضب الحكومة البريطانية وأقالت الحاكم العام السيد هدلستون الذى سمح بالمناقشات فى موضوع خارج إختصاص وصلاحيات الجمعية وكذلك قامت بتعنيف السكرتير المدنى لحكومة السودان السير جيمس روبرتسون. 1951، طلب الحاكم العام الجديد فى السودان من الحكومة البريطانية إصدار بيان يؤكد رفضها لقرار مصر بإلغاء إتفاقية الحكم الثنائى والإعلان رسميا عن قيام الحكم الذاتى في السودان. 1951، تحذير من الحاكم العام فى السودان للحكومة البريطانية بعدم الإعتراف باللقب الملكى. 1952، تقرير من السكرتير المدنى ( المعادل لرئيس الوزراء حاليا ) إلى الحكومة البريطانية جاء فيه : إن السودان قد ألقى به في مرجل الفوضى من قبل وزارة الخارجية البريطانية وسفارة بريطانيا فى القاهرة وأن هاتان الجهتان تظنان أن بريطانيا تستطيع أن تشترى إتفاقية نهائية بخصوص منطقة قناة السويس ومنظمة الدفاع المشترك لو دفعت السودان ثمنا لذلك. 1952، تقرير من السير جيمس روبتسون إلى زعيم حزب العمال البريطانى يتهم الحكومة البريطانية ببيع السودان لفاروق. 191952، إجتماع وزيرى الخارجية البريطانى والأمريكى لمناقشة إقتراح الوزير البريطانى حول البحث عن التبرير المناسب لحكومته للإعتراف باللقب ومناقشة إمكانية إصدار القرار بواسطة محكمة دولية. 1952، إثارة الوزراء البريطانيين فى إجتماع لمجلس الوزراء مسألة إعتراف بريطانيا باللقب والإشارة إلى أن ذلك يتعارض مع الحكم الذاتى وتقرير المصير. 1953، تسليم الحاكم العام توجيها من وزارة الخارجية تقول : ليس من سياسة بريطانيا حاليا إعداد السودان للحكم الذاتى. 1953، إجتماع بمنزل السيد غراهام توماس لقيادات المجموعة الإستقلالية والإتحادية , صديق المهدى , عبد الله خليل , الشنقيطى , الدرديرى محمد عثمان , ميرغنى حمزة , وأسفر عن حسم الخلافات بينهما والإعلان عن موافقة السيدين للمشاركة فى الإنتخابات وكان ذلك أول إتفاق منذ عشرين عاما وعاملا حاسما فى عملية إستقلال السودان. 1953، وصول السيد سولوين لويد وزير الدولة بالخارجية البريطانية للسودان لوقف تسريع عملية السودنة والإبقاء على الحكومة المدنية البريطانية فى السودان ريثما تترتب الأمور وقد رفض السكرتير المدنى طلب وزير الدولة متعللا بأنه يتبع للحاكم العام وليست الخارجية البريطانية. 1953، مغادرة البعثة البريطانية الرسمية السودان وترك الأمور فى يد السيد وليم لوس وبيتون وجاويين بيل وهي المجموعة التى أدارت الصراع منذ البداية. 1954، خطاب كلمنت أتلى زعيم حزب العمال في البرلمان البريطانى وإتهام الحكومة ببيع السودان وغض الطرف عن وقوعة فى أيدى المصريين ثانية. 1954، تقرير من جراهام توماس عن صدمة زعيم حزب العمال من رئيس الحكومة البريطانية وقوله : رفضنا على الدوام ربط قضية السويس بالسودان. 1954، إشارة رئيس الحكومة البريطانية أنطونى أيدن إلى تحذيرات الحاكم العام فى السودان بشأن رفض الإعتراف باللقب الملكى. 1954، توصل مجلس الوزراء إلى قرار حول السودان وهو إما ترك الخيار للبرلمان السودانى أو الإعتراف البريطانى باللقب وإنهاء الأزمة. 1954، وضمن مراحل المفاوضات والتنازلات مع مصر توصلت بريطانيا إلى قرار إعترافها باللقب المصرى على السودان وقالت بأنها جاهزة للإدلاء بالتصريح التالى فى حالة قبول مصر ببعض الإلتزامات : بعد أن أعلنت الحكومة المصرية بأن جلالة الملك يحمل لقب ملك مصر والسودان , تعيد الحكومة البريطانية تأكيد أنها ستقبل الوحدة تحت التاج المصري. 1955, كان هو العام الحاسم للصراع السياسى وقد إنتهى بالإتفاق على إعلان الإستقلال وكان ذلك نتيجة لجهود الإدارة البريطانية وقمة نجاحها أيضا إبتداءا من إقتراحها لتأسيس الأحزاب السياسية إلى تأسيس الجمعية التشريعية وإقرار دستور الحكم الذاتى , ثم إقناع الأحزاب لدخول الإنتخابات خاصة بعد المقاطعة التى إنتهجتها الأحزاب الموالية لمصر ثم التحول نحو الحزب الإتحادى الفائز بنتيجة الإنتخابات وإقناعه بالعدول عن فكرة الإتحاد مع مصر إلى الإستقلال ثم إقتراح إعلان الإستقلال من داخل البرلمان بعد ضمان موافقة الحكومة والمعارضة وتأييد عدد من الدول. الموقف الإسرائيلى (الحركة الصهيونية): على الرغم من عدم كفاية المعلومات إلا أنه يمكن إفتراض وجود صلة ما , بين الجالية النمساوية فى السودان والحركة الصهيونية التي كان مقرها النمسا، خصوصا منذ الفترة 1848 وحتى 1898. ومع أن إنكشاف الهوية اليهودية لسلاطين باشا النمساوى قد لفت الإنتباه إلى الصلات بين الهويتين إلا أن الموضوعات التى إهتمت بها الجالية النمساوية فى السودان كانت هي العامل الأهم فى إفتراض تلك الصلة. فقد كانت كنيسة ( آباء فيرونا ) النمساوية أول من أدخلت المسيحية إلى جنوب السودان وكذلك فى منطقة جبال النوبة وهي الكنيسة التى حظيت بالتفضيل لدى كل من ونجت وسلاطين فى عهد الحكم الثنائي على العكس من الكنيستين الأخريتين , البروتاستينية الأمريكية التى دخلت البلاد عام 1898 , وجمعية التبشير المسيحى البريطانية التى دخلت عام 1885. "القنصلية النمساوية فى السودان إهتمت بقضية العلاقات السودانية المصرية وهي أول من إقترحت فصل السودان عن مصر وحاولت إقناع الخديوى به "وإلى جانب التبشير الذى قادتها الكنيسة النمساوية إهتمت القنصلية النمساوية فى السودان أيضا بقضية العلاقات السودانية المصرية وهي أول من إقترحت فصل السودان عن مصر وحاولت إقناع الخديوى كما أن الجالية النمساوية التى وفدت إلى السودان تحت شعار الإستثمار فى العاج منذ العام 1850 , إتجهت إلى ممارسات تجارة الرق. ويضاف إلى ذلك , إن القنصلية النمساوية فى القاهرة قد إهتمت أكثر من غيرها بموضوع السودان وقد إحتجت فى وقت مبكر جدا على زيارة محمد على باشا للسودان عام 1839 , على أساس أن تلك الزيارة تعطى الطابع الرسمى لإنضمام السودان لمصر وفقا لنظرية الأرض الخلاء. وقد كتب القنصل النمساوى ( لاورين ) فى مصر الى حكومته قائلا : ان مقصد الباشا من نشر اخبار رحلته الى السودان فى الجورنال الرسمى هو ان يذيع الى الملاء كل حقوق السيادة التى يطلبها لنفسه على تلك الاقاليم الى يعتبرها خالية ولا يملكها احد . كذلك إحتج القنصل النمساوى هوبر عام 1952 على أحقية محمد على باشا بالسودان جين قال : إن حكومة السودان ليست حقا وراثيا من حقوق أسرة محمد على ولكن ملحقة بإدارة الباشا فى مصر والباشا هو الذى يعين الحاكم العام فى الخرطوم . ( مصر والسودان , تاريخ وحدة وادى النيل السياسية , (ص62). جدير بالذكر أن نظرية الأرض الخلاء التى أشار إليها القنصل النمساوى كانت هي السبب وراء قرار بريطانيا بإجبار مصر على إخلاء السودان عام 1884 , بحجة عدم القدرة على مواجهة قوات المهدية بينما كان الهدف الحقيقى هو إخلاء السودان حتى يتسنى عند العودة إليه فيما بعد المشاركة فى حكمه بدعوى أنه عند إعادة فتحه كانت أرضا خلاء وقد تم ذلك فعلا. وبالتالى فإن كل الموضوعات التى إهتمت بها الجالية النمساوية فى السودان أو فى القاهرة أصبحت من قضايا السودان الرئيسية منذ ذلك الوقت وإلى الآن وبالأخص قضية العلاقات السودانية المصرية الى اصبحت محل إهتمام كل القناصل النمساويين سواء فى السودان أو مصر وكذلك قضي الجنوب ألى جانب دعاوى ممارسات الرق. ولذلك فإن الإفتراض بوجود صلة ما بين الجالية النمساوية أو نشاطها فى السودان والحركة الصهيونية فى الفترة التى سبقت الحكم الثنائي قد يكون إفتراضا معقولا. وفى عهد الحكم الثنائي وقع السودان مباشرة تحت حكم العناصر اليهودية إبتداءا من منصب الحاكم العام ونائبه إلى الوظائف الإدارية الرئيسية. فقد كشف الكتاب الذى أصدرته وزارة الدفاع الاسرائليةAkavia,Wingate:his life and mission,by Israel Minstry of defence,Tel Aviv,1993) )عن هوية شارلس ونجت إبن أخ ريجالند ونجت الحاكم العام للسودان. "ونجت الذى عمل فى الحكومة البريطانية فى السودان فى الفترة من ( 1928 ـ 1936 ) , قد عاد إلى فلسطين وعمل فى التنظيمات اليهودية السرية وبعد فترة وجيزة أصبح قائدا ( للهاجاناه ) "وقال , بأن شارلس ونجت الذى عمل فى الحكومة البريطانية فى السودان فى الفترة من ( 1928 ـ 1936 ) , قد عاد إلى فلسطين وعمل فى التنظيمات اليهودية السرية وبعد فترة وجيزة أصبح قائدا ( للهاجاناه ) , ولوحدة (SNS ) , وكان صديقا لكل من حاييم وايزمان وموشى شاريت وبن غوريون الذين أصبحوا قادة إسرائيل فيما بعد وقال عنه ديفد بن غوريون : لو أن شارلس ونجت كان حيا لأصبح القائد العام لجيش الدفاع الإسرائيلى. وكذلك , يلقى كتاب الياهو سولومون ملكا , ( أطفال يعقوب فى بقعة المهدى ) , الضوء على الوجود اليهودى فى جهاز الحكم البريطانى فى السودان فقد كانت وحدة سلاح الجو الملكى فى الخرطوم وقيادة جهاز الشرطة والصحة , والخدمات وحكام الولايات هم من العناصر اليهودية. وقد أشار ملكا إلى أن الحاكم العام إتصل به بوصفه رئيسا للجالية اليهودية فى السودان يطلب منه الإذن لدفن إثنين من الضباط الطيارين الذين تحطمت طائرتهم العسكرية شمال أمدرمان لأنهم من اليهود. وبقيام الدولة الإسرائيلية أصبحت العلاقات أكثر علانية ورسمية ووقعت الحكومتان السودانية والإسرائيلية على إتفاقيات للتعاون التجارى وبدأت الصادرات السودانية تتجه إلى إسرائيل منذ العام 1948 وحتى 1955. وفى 1953 , وفى ذروة الصراع حول إستقلال السودان إقترح السيد وليم لوس مستشار الحاكم العام إلى قيادة حزب الأمة التنسيق مع إسرائيل حول الإستقلال وغادر الوفد إلى بريطانيا وعبر السفارة الإسرائيلية فى لندن , عقد الطرفان إتفاقا طلب فيه حزب الأمة إستخدام إسرائيل لنفوذها فى بريطانيا والولايات المتحدة لصالح إستقلال السودان ودعم الحزب ماليا. وفى 1954 , تواصلت اللقاءات بين الطرفين فى إسطنبول , قاد الوفد الإسرائيلى السيد بالومى بينما شارك من الجانب السودانى قادة الجبهة الإستقلالية , وعقب نهاية الإجتماع طلب رئيس الدولة الإسرائيلى ديفد بن غوريون إحضار أحد أعضاء الوفد السودانى لمقابلته. إصطحب بالومى السيد محمد أحمد عمر إلى تل أبيب لمقابلة بن غوريون , وبعد اللقاء قال الرئيس الإسرائيلى معلقا : ( They are Muslims and speaks Arabic ) , ولعل صيغة الجمع الذى إستخدمه بن غورين قد يشير إلى أن اللقاء قد يكون ضم أكثر من شخص. وفى التقرير الذى نشره البروفيسور جبرائيل وربورج أستاذ التاريخ السودانى والمصرى فى جامعة حيفا عن العلاقات السودانية الإسرائيلية فى دورية الشرق الأوسط عام 1992 , أشار فى هوامش الدراسة إلى وثائق ومحاضر إجتماعات كثيرة حول التنسيق بين الجانبين , وهي محفوظة فى دار وثائق الدولة فى إسرائيل وفى وزارة الخارجية. ويعرض مركز ( Highbeam Research Center ) , تقريرا مطولا عن العلاقات السودانية الإسرائيلية تحت عنوان : ( Israel and Sudan : The saga of an Enigmatic Relationship ) , ومع أنه لم يتم الحصول على نص التقرير بسبب قيود الإشتراك إلا أنه يستشف من العنوان ( لغز العلاقات البطولية الغامضة ) , أن هناك الكثير من المعلومات حول الإرتباط الإسرائيلى بالسودان. النقطة الجديرة بالإقرارهي : أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التى تطابقت مصلحتها مع إستقلال السودان على العكس من القوى الأخرى , بريطانيا , الولايات المتحدة ومصر , ولذلك كانت لها متابعات من أعلى المستويات السياسية فى الدولة الإسرائيلية. ثالثاً: هوية اللوبى : (1874 ـ 1956)كل التطورات السياسية التى مرت على السودان كانت تدور حول موضوع واحد هو العلاقات السياسية مع مصر , الوحدة والإنفصال. وقد كانت القوة التى تبنت هذا الموضوع فى مختلف المراحل , ( 1874 ـ 1956 ) ,عبارة عن جماعات وليست دول , فمنذ الفترة التى بدأت فيها التشهير بالحكم التركى المصرى فى السودان ثم المهدية ثم التعبئة لإعادة الفتح , تشكل تيار من الإعلاميين والإنجليكان المسيحيين وجمعيات محاربة الرق وأصحاب الياقات البيضاء , وأعضاء فى مجلس اللوردات البريطانى , ونظموا الحملات التى نادت بتخليص السودان من مساوئ الحكم المصرى وفى المرحلة التالية من فظائع المهدية. وقد نجح ذلك التيار , ( اللوبى ) , فى فرض رؤيته وسياسته على الحكومة البريطانية وقادتها إلى التعاطى مع الشأن السودانى وفى المرحلة الثانية ( الحكم الثنائي ) , تولت الحكومة البريطانية فى السودان إلى جانب مجموعة أخرى سميت بالمجموعة البريطانية فى السودان تحت قيادة السيد وليم لوس تخطيط وتنفيذ التطورات السياسية التى أدت إلى الإستقلال. "إسرائيل هي صاحبة المصلحة الأولى فى القضية التى تبناها ( اللوبى ) , وهي إ بقاء السودان بعيدا عن مصر وكيانا مستقلا عنه"ولأن إسرائيل هي صاحبة المصلحة الأولى فى القضية التى تبناها ( اللوبى ) , وهي إ بقاء السودان بعيدا عن مصر وكيانا مستقلا عنه وإن العلاقات متداخلة بين أجيالها , غردون , ونجت , وليم لوس , فإن الإستنتاج هو : ( أن هذا اللوبى قد يكون صهيونياً أو يعمل لصالح الحركة الصهيونية). وهذا وحده , يفسر الصمود والقوة التى تمتعت بها اللوبيات فى مواجهة الحكومات والقوى العظمى على النحو الذى أصبح فيها رئيس أقوى إمبراطورية يقف عاجزا أمام أحد ضباطه ويقول : ( سأكون مجنونا لوسمحت لضابط مهندسين واحد أن يجر بريطانيا إلى الحرب . ) , وواضح أن هذا الضابط لو لم يكن مسنودا لما إستطاع أن يقف فى وجه رئيسه وقائده الأعلى , فلو كان واحدا فعلا لقيل له على الطريقة العسكرية السودانية , ( أجمع يا ضابط ) , لتنتهى الأمور عند هذا الحد. كذلك يؤكد قوة هذا اللوبى الحوار الذى جرى بين ضابط الإتصال الأمريكى فى الخرطوم سوينى ووزير الدولة البريطانى للشؤون الخارجية عند زيارته للسودان فى 1953 , فقد قال سوينى محتجا على السياسات البريطانية السودانية : إنكم غير مطلعين إلا على جانب واحد من الصورة ولا تدرون حقيقة ما يجرى فى السودان وإنى أشك فى إدارتكم المدنية فى السودان إبتداءا من الحاكم العام وحتى جميع موظفيه. وأيضا يؤكد قوة هذا اللوبى ما أشار إليه منصور خالد فى كتابه ( السودان : الحرب الأهلية وطموحات السلام ) حيث قال : أما بخصوص السياسة البريطانية تجاه السودان , من الصعب أن يقول المرء بأنها كانت متسقة خاصة منذ أوآئل الأربعينات , لقد كان يتجاذب تلك السياسة قطبان , القطب الأول هو دوائر الهوايت هول ( الحكومة ) , والتى تنظر إلى السودان بمنظار إستراتيجى تلعب فيه مصر الدور الأهم , والقطب الثانى يمثله الإداريون البريطانيون فى السودان , ولأنهم كانوا يحسبون أنفسهم أوصياء على السودانيين فقد إستطاعوا نقد ومحاربة رؤساءهم فى لندن وإن العلاقات الودية التى نشأت بينهم والسودانيين هي التى دفعت بهم الى محاربة لندن. الإفادات التى أدلى بها منصور مهمة لكونه معاصرا لتلك الأحداث ومع أنه أكد أن سياسة الهوايت هول هي مع مصر لأسباب إستراتيجية وأكد أيضا قوة الإدارة المدنية فى السودان التى تستطيع أن تحارب لندن إلا أن التبرير الذى قدمه غير كاف وغير صحيح. فالضغوط على لندن ومحاربتها بدأ منذ تحدى غردون لها فى 1884 , وإستمرت حتى إعلان إستقلال السودان وضغوط المجموعة البريطانية فى السودان ما هو إلا إمتداد لذلك كما أن التقرير الذى قدمه وزير المستعمرات بشأن إنضمام السودان للكومنولث قد إشار بوضوح فى إحدى فقراته إلى فشل الجهاز الإدارى فى السودان من إقامة علاقات طيبة مع السودانيين . ومن جهة اخرى , اشار السيد غراهام توماس الى استقلالية الادارة البريطانية فى السودان حين اورد الحوار الذى دار بين السير جيمس روبتسون السكرتير المدنى لحكومة السودان والسيد سولين لويد وزير الدولة فى الخارجية البريطانية عند زيارته لسودان , طلب السيد لويد الى السير روبتسون ابطاء عملية السودان حتى تترتب الاوضاع , ورفض السير روبتسون الطلب وقال بانه يتبع للحاكم العام وليست للخارجية البريطانية , وقال جراهام تعليقا على ذلك : هذه نقطة مهمة تشير الى استقلالية الادارة البريطانية فى السودان. وعلى أساس هذه الحيثيات والإستنتاجات فإن: أ-التطورات السياسية التى شهدها السودان منذ 1874 وحتى 1956 كان من تخطيط وتنفيذ هذا اللوبى. ب-إن نظام الحكم الذى عرف فى السودان بالحكم الثنائي بريطانيا ومصر , ما هو إلا واجهة لهذا اللوبى. ج-وإن الإدارة البريطانية فى السودان ما هي إلا إدارة إسرائيلية بحته أي أن إسرائيل هي التى إحتلت السودان وليست بريطانيا وربما هي التى منحت السودان حدوده الجغرافية التى تمت ترسيمها خلال هذه الفترة أو الفترة السابقة للحكم الثنائي. د-وإن إستقلال السودان بكل تطوراته الداخلية والخارجية جاء نتيجة لمجهودات هذا اللوبى ودعم الحكومة الإسرائيلية.
 
رد: المؤامرة والصراع السياسي في السودان - 1874 - 2006

وقال جراهام تعليقا على ذلك : هذه نقطة مهمة تشير الى استقلالية الادارة البريطانية فى السودان. وعلى أساس هذه الحيثيات والإستنتاجات فإن: أ-التطورات السياسية التى شهدها السودان منذ 1874 وحتى 1956 كان من تخطيط وتنفيذ هذا اللوبى. ب-إن نظام الحكم الذى عرف فى السودان بالحكم الثنائي بريطانيا ومصر , ما هو إلا واجهة لهذا اللوبى. ج-وإن الإدارة البريطانية فى السودان ما هي إلا إدارة إسرائيلية بحته أي أن إسرائيل هي التى إحتلت السودان وليست بريطانيا وربما هي التى منحت السودان حدوده الجغرافية التى تمت ترسيمها خلال هذه الفترة أو الفترة السابقة للحكم الثنائي. د-وإن إستقلال السودان بكل تطوراته الداخلية والخارجية جاء نتيجة لمجهودات هذا اللوبى ودعم الحكومة الإسرائيلية.

pfffffffffffffffff
كم نحن متاخرون بقرن كامل على الوعي
الغالبية اول مرة يسمع بها

 
عودة
أعلى