الحرب الباردة الثانية

khalid_73

عضو
إنضم
11 نوفمبر 2013
المشاركات
847
التفاعل
687 0 0
المعنى المقصود من الحرب القطبية الثانية يتمثل في حرب اقتصادية مباشرة تتبعها جولات كر وفر سياسية، تلك الحالة تبدو واضحة في شقها الاقتصادي، فالصين ومنذ الأزمة المالية العالمية أدركت أن ساعة خروجها من حديقة العالم الخلفية قد حان أنها يجب أن تفرض واقعًا جديدًا على العالم بكونها العنصر الأكثر فاعلية ونجاحًا في معادلة الاقتصاد الدولي، وبهذا كانت الصين تتعمد انتزاع القطبية الاقتصادية من الولايات المتحدة وأوروبا، عن طريق الإغراق الاقتصادي والصمت الاستراتيجي، اللذين وظفتهما لتحقيق مكاسب على الساحة الدولية دون الدخول في صدام أو جدال مع الولايات المتحدة.
الحرب الباردة الثانية لم تأخذ الشكل التقليدي في الصراع بين قطبي التاريخ (روسيا وأمريكا) الذي عمل كل منهما على تجييش كل أدوات الحرب الكلاسيكية، لكن تلك الحرب الناشبة في هدوء دحضت نظرية حرب القطبيات التقليدية في التاريخ، ليتأكد لنا أن الحديث عن زمن الصراع بين قطبين الأمس روسيا والولايات المتحدة أصبح مجرد تحليل مستهلك لا يعبر عن واقع الصراع الدائر حاليًا، فالدب الروسي عاد لينام رغم سباته بين تارة وأخرى حالمًا باسترجاع مجد سابق خسره في العقد الأخير لمصلحة الولايات المتحدة، التي باتت هي الأخرى تترنح من سكرات الأزمات والمتغيرات الدولية التي تنزل على رأسها، أما الصين فتقف في هدوء تتحضر للتربّع على قطبية العالم بسلاح الاقتصاد، وبهذا يكون الاقتصاد الاستراتيجي السلاح الأكثر فاعلية في الحرب الباردة الثانية، كما كان هو أيضًا سبب حسم جولة الحرب الباردة الأولى، من خلال استنزاف اقتصاد الاتحاد السوفيتي في سباق التسليح والتنافس على حرب النجوم التي أعلنتها أمريكا.
ومن هنا جاءت مصطلحات “سباق التسلح” “الحرب الباردة” “ميزان القوى” “مفهوم القوة” وغيرها من المسميات لتنهي حقبة الحرب الباردة الأولى، وتكون مقدمات للحرب الثانية، واستعمالنا لتلك المصطلحات لم يكن عفويًّا، وإنما يؤكد أنها تتلاءم مع المرحلة المستقبلية لقطبية العالم.
الصراع اليوم بين الولايات المتحدة والصين ليس أيديولوجيًّا في الشكل أو الموضوع، فشيوعية الصين لا تخيف أمريكا بقدر ما تحتويه وتنتجه تلك الشيوعية كمنهج اقتصادى يخرج من قالب الاشتراكية الجافة، وتخوف أمريكا والغرب من صعود الصين عسكريًّا في سباق التسلح، مما يزيد من أرق أمريكا؛ لأن ذلك يُخول للصين أن تكون العنصر الحاكم لقواعد اللعبة الاستراتيجية في آسيا كعمق والمحيط الهادئ كمجال لها، مما يقيد نفوذ وطموحات الولايات المتحدة في تطويقها، ويزيد على ذلك أن منافس أمريكا بالأمس “روسيا” ترى في دعم الصين كقوة اقتصادية بديلًا وضمانة عن ضغوط الولايات المتحدة.
وعلى كل تلك الفرضيات يتضح لنا أن نظرية الحرب الكلاسيكية لم تعد قائمة في عالم اليوم بعدما تبين أن خسائرها تفوق عائداتها، وهو ما أبقى العالم بمنأى عن حرب عالمية ثالثة على المستوى العسكري لعشرات السنين بعكس ما كان التهويل والتسويق لها كان يوميًّا في فترة الحرب الباردة الأولى، وها نحن اليوم نعيش حربًا باردة ثانية بين الولايات المتحدة والصين لكنها بسلاح الاقتصاد الذي كشفت بكين من خلاله نقطة الضعف الاستراتيجية في أكذوبة أمريكا التي اعتمدت عليها للضغط على خصمها في الحرب الأولى، وعلى أي حال يبقى الانتظار الوسيلة الوحيدة لكشف تفاصيل حرب القطبيات القائمة في صمت، ليتأكد لنا أن الحرب لا يُسوَّق لها إن كانت ستقوم فعلًا، وخصوصًا بعد التجاه للحرب الاقتصادية بدلًا من العسكرية؛ لمردودها الأكبر على كل الأصعدة، أما المعارك التي تقوم هنا وهناك، إنما تُغذي نظرية الحرب الباردة ولا تدحضها، فهذه القراءة لما يشهده العالم من صعود قطبية الصين ليست من باب المزايدة في المعرفة أو الاستعراض التاريخي والعلمي، وإنما تقديم لواقع ما هو قادم.
 
عودة
أعلى