المانيا بيت القوة , العقل , القلب و الهدف

Muhamed

القيادة العامة للقوات المسلحة
صقور الدفاع
إنضم
14 أبريل 2008
المشاركات
2,932
التفاعل
5,121 29 0
المانيا

كدولة تتوسط القارة الاوروبية تعتبر المانيا من اللاعبين الاثقل وزنا فيما يخص القوة السكانية و الاثقل تقريبا فيما يخص تركيز الثروات.

بامتلاكها للعديد المسطحات الصالحة للزراعة , وفرة من العمالة الماهرة و الانهار الصالحة للملاحة تضمن المانيا ما يتعدي احتياجات الامن المائي و الغذائي لمواطنيها , بل بيئة خصبة للنمو و ميزة تجارية تنافسية لا مثيل لها فيما يتعلق بتكاليف النقل ما يجعلها قوة قابلة للتمدد خارج حدودها تجاريا , ثقافيا و حتي عسكريا

باختصار تمتلك المانيا كل ما يمكنها من بناء دولة قوية للغاية لكن و كمفارقة تشكل نفس العوامل كل اسباب انكشاف المانيا للتهديدات الخارجية من كل الانواع و الاطراف تقريبا

1.gif


الموقع


بتوسطها للقارة الاوروبية تتمتع المانيا بافضل و اسواء ما يمكن ان تقدمه الجغرافيا علي حد سواء

يميز القطاع الجنوبي جزئيا الطبيعة الوعرة نتيجة لوجود جبال الالب, بينما يميز الشمال طبيعا سهلية في المجمل تجاور كل من بولندا , الدنمارك و بحر الشمال و تقارب منطقة البلطيق و الجيب الروسي في كاليننجراد , بالاضافة لتواجد الكثير من الغابات

يظل اكثر ما يميز الوضع الجغرافي لالمانيا هو الانتشار الكبير للانهار الصالحة لحركة البضائع و الركاب

فلالمانيا ما لا يقل عن 7 انهار صالحة لكافة النشاطات و لتلك الانهار اهمية مركزية فيما يتعلق بجغرافيا المانيا السكانية , البيئية , السكانية و الاقتصادية بل تحدد الانهار المستوي المادي للسكان بمناطقهم كما سنشرح لاحقا.


فعلي سبيل المثال لا الحصر يعتبر نهر الراين و للذي يصب ببحر الشمال من اكثر الانهار الشمال اوروبية ازدحاما بحركة النقل , و عليه يقدم الراين افضل قيمة للنقل مقابل التكاليف , ما يساهم لا فقط بسهولة النقل بل و بخفض التكاليف علي السواء ما يساهم بخفض سعر المنتجات الالمانية, و لجعل الامور افضل للالمان , يمر النهر باهم المدن الالمانية , و هي ميزة تتكرر مع تقريبا كل انهار المانيا فنهر الراين يربط ايسن , شتوتجارت , دوسلدورف ,فرانكفورت و الكثير

فيسر , ايلب و ممراتهم الفرعية من ممرات المائية الهامة ايضا و تكمن اهميتها بربط المدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة كهامبورج , بريمن و هانوفر ببحر الشمال بينما تمكن الانهار الشرقية الاتصال بدول البلطيق

الدانوب من جهة اخري يضمن اتصال مدن صناعية كبري كميونخ بالبحر الاسود و منها لكل من روسيا شرقا و البحر الابيض جنوبا ( ان تطلبت الحاجة)

بالطبع هناك المزيد من الانهار لكن ما تم ذكره هو ما يشكل ما يمكن تسميته بقلب الارض الالمانية German Heartland

في هذا المقال سنعرض ببعض التبسيط فلسفة القوة الالمانية , كيف تطورت , كيف تشكل العقل الالماني و كيف يشكل واقعه و منهم نستنبط الاهداف الجيوسياسية


القسم الاول

بيت القوة



لعبت القوة الالمانية دورا كبيرا في تاريخ القارة العجوز , لكن و علي الرغم من قدم الدور الالماني , الا ان المانيا اللتي نعرفها لا يتجاوز عمرها المئتان عام بعد ان ادي تسلسل الاحداث الي تغيير واقع جيوسياسي شبه مشلول في القارة الاوروبية

تميزت تلك الفترة بالكثير من الصراعات , الدسائس السياسية , الابتكار , الاصلاحات الاجتماعية و المدنية و الكثير الكثير

و من تفاعل كل ما سبق ذكره , نشأت الوحدة الالمانية الاولي


الامة الجرمانية

2.png



قبل الوحدة الالمانية كانت الامارات الالمانية تقع ضمن تكتل اكبرعرف بالامبراطورية الرومانية المقدسة للامة الجرمانية و كان بالاساس تكتل سياسي بأراضي أوروبا الوسطى والغربية وُلد خلال العصور الوسطى المبكرة وتم حله رسمياً سنة 1806

جمع هذا التكتل مئات من الامرارت , البلديات , المدن و حتي الممالك ,كانت الامبراطورية الرومانية المقدسة تشبه عالم قائم بذاته للامة الجرمانية , علي الرغم من ذلك لم تكن طرق او انهار الامبراطورية مرتبطة كما الحال بالقلب الالماني , بل كانت تلك الانهار تقود لمدن و اسواق مختلفة , و اختلفت حتي مصبات تلك الانهار بين بحر الشمال , القنال الانجليزي , بحر السيلاتك , المحيط الاطلنطي , حتي بحر ايجة و البحر المتوسط

كان تاثير ذلك في الحركة الثقافية كبيرا , فمثلا كانت لامارات كامارة الساس لورين Alsace Lorraine تواصل شبه يومي مع فرنسا بينما كان لبفاريا Bavaria امتدادا داخل النمسا

كان لصعوبة التواصل اثر سياسي بالغ الاهمية تمثل في استقلالية الولايات الالمانية حيث تسببت صعوبة التواصل بتفضيل الحكام المحليين للادارة المنفردة , عوضا عن العودة للادارة المركزة

شملت تلك كل ما يخص الامن , الامور المالية و حتي الشؤن العمالية , لذلك و علي تاريخها , تحولت الولايات الالمانية لدول مستقلة فعلية داخل الكيان الامبراطوري



مع صعوبة الاتصال ايضا تولدت صعوبة الحصول علي الموارد المطلوبة لتطور تلك الولايات مضافا اليها المحددات الديموغرافية من حيث القوة البشرة , ما اجبرها علي ادارة اكثر كفائة لمواردها المحدودة , و مع هذا الظرف تحديدا ولدت الكفائة الالمانية

نشأت تلك الكفائة الالمانية من خلال خلق نظام اداري معقد و متقدم جدا بالنسبة لزمانه , حيث كان التركيز الاساسي لهذا النظام يتعلق بتوظيف المواهب و المهارات في المجالات الاكاديمية, البنكية , العسكرية الي اخره

باختصار , كون التفوق عدديا لم يكن مطروحا , اصبحت التفوق النوعي هو اساس الثقافة الالمانية



علي الرغم من كل ما ذكر من استقلالية الولايات الالمانية , الا ان بقائها في الامبراطورية الرومانية المقدسة اجبرها علي التورط في الكثير من الصراعات الداخلية و التحالفات داخل الامبراطوية ذاتها
ادت تلك الحالة لامبراطورية مفككة و غير قادرة علي الدفاع عن نفسها لكن في نفس الوقت كانت الولايات الالمانية اقوي من ان يتم احتلالها داخليا من قبل السلطة المركزية اما خارجيا فقد رات القوي المحيطة بالامراطورية الرومانية كالنمسا , بولندا , الدنمارك , السويد و روسيا فقد رأ ان الترتيب الاقليمي الحالي للولايات الالمانية في مصلحتهم كنطاق عازل يبقي السياسات الاوروبية تحت السيطرة

كل الطرق تؤدي الي بروسيا
3.gif

مع بقاء الوضع شبه جامدا في الامبراطورية , كان لمملكة بروسيا وضع مختلف , فبالرغم من عدم تمتعها باي افضلية جغرافية او ديموغرافية ضد محيطها و اللذي شغلته مراكز قوي في الدنمارك , السويد , روسيا و بولندا , فقط استطاعت بروسيا و بتخطيط دقيق جدا لادارة مواردها البشرية خصواصا , و لتبيان لاي مدي اهتمت تلك المملكة بالمواهب و الجودة في كل مواردها حتي البشرية منها يكفينا ذكر السبق البروسي في التعليم

فيما يخص التعليم , سبقت بروسيا كل اوروبا تقريبا بان جعلت التعليم الزاميا في اراضيها في العام 1717 , لم تتبني بريطانيا الزامية التعليم قبل مرور اكثر من مئة عام من هذا التاريخ
تبنت بروسيا ايضا اجرائات كانت سابقة لعصرها في ما يخص رسم السياسات , في زمن كانت اهواء الملوك و الاباطرة الاوروبيين و غير الاوروبيين تحكم كثيرا من قراراتهم , التزمت الحكومة البروسية في برلين باشراك كل الخبرات السياسية , المالية , العلمية , الصناعية و العسكرية في وضع سياسة الدولة

ربما كان اكبر مؤشر لمدي التقدم البروسي هو جيشها
فباستثناء الجيش المصري قديما و الجيش الروماني , كان الجيش البروسي هو الجيش الاوروبي الوحيد اللذي اعتمد علي قوات محترفة في الوقت اللذي كانت كل الجيوش الاوروبية تعتمد علي القرويين كعماد لقوتها البشرية

كانت احترافية الجيش البروسي عاملا حاسما طوال تاريخ تلك المملكة و المانيا فيما بعد


نابليون , فناء الامبراطورية و صحوة القومية الالمانية

4.jpg
في القرن التاسع عشر قام نابليون بتثبيت حكمة داخل فرنسا ثم اجتاحت جيوشه الثورية وسط اوروبا . لمقاومة نابليون احتاجت القوي الاوروبية لعشرين عاما و 7 تحالفات ضمت تقريبا كل القوي الرئيسية الاوروبية اضافة الي روسيا الاورواسيوية

في خضم تلك الحرب اصبحت الامبراطورية الرومانية المقدسة في حكم المنهارة و تراجعت سيطرتها من مئات الممالك و الامارات الي 39 امارة فقط

في تلك الظروف, ظهرت الافكار القومية في المناطق المتحدثة بالالمانية ,و مع حاجة المتحدثين بالالمانية لمن يملئ مكان الامبراطورية الرومانية المقدسة , تقدمت بروسيا لتصبح مركز القوة الاوروبي الجديد , بمساحة تبلغ ضعف ما كانت عليه قبل الحرب , و ازداد تعدادها بنصف مليون شخص

استفادت بروسيا ايضا من السلوك الغير منضبط لاسرة هابسبرج النمساوية , حيث اصبحت بروسيا ممثلة باسرة هوهونزوليرن الملاذ الامن لكل الامارات الالمانية , لما ظهر منها من فهم و تقدير للاحتياجات الامنية لتلك الامارات


يتبع .....
 
الثورة الصناعية ,الاتحاد الجمركي الالماني و تصنيع الوحدة


5.jpg


علي خلفية كل تلك الاحداث و الحروب , كان هناك تغيير كبير اخر في القارة الاوروبية , مثلته ما تعرف بالثورة الصناعية

و اللتي قدمت حلولا تكنلوجية للتوسع الصناعي و التجاري علي حد سواء.



علي الرغم من كل ما استثمرته الولايات الالمانية كبروسيا في التعليم , الا ان تلك الولايات لم تكن قادرة علي المشاركة بتلك الثورة , كان السبب الرئيسي هو الاختلافات الداخلية في الفضاء المتحدث باللغة الالمانية

كان المانع الاساسي هو حرية التجارة المطلوبة لتشجيع هكذا انشطة بين الولايات الالمانية و منها للمستهلك داخل تلك الاراضي

فمثلا كانت المنتجات المصنعة في بروسيا تخضع للتفتيش و اضافة الضرائب و الجمارك قبل دخولها لبفاريا , و في المقابل كان الفحم و الصلب يمر بنفس العملية قبل ان يصل لبروسيا من بفاريا

ادي ذلك لزيادة كبيرة في اسعار المنتجات الالمانية و عزز الفوارق الاقتصادية بين الولايات

استغلت بروسيا هذا الوضع باظهار المشاكل و الترويج لكيان موحد يلغي تلك الفوارق , كانت حجه بروسيا منطقية و نتيجة لذلك كان صوتها مسوعا

ففي العام 1834 نشاء الاتحاد الجمركي بين الولايات الالمانية زولفغين Zollverein و ادي وجوده فيما بعد لتوحيد كل من رؤس الاموال و سوق العمالة في الولايات الالمانية و منها ادي لتسريع عملية الانتقال الصناعي لالمانيا , تعزيز دور بروسيا في الشمال الالماني



ربما لم تستفيد بروسيا في بداية الثورة الصناعية من قدراتها البشرية الاكثر جودة لكن بعد الاتحاد الجمركي تغير كل شيئ

خلافا لكل الامبراطوريات الاوروبية اللتي استقبلت مدن رئيسية و معدودة الثورة الصناعية , كان التحول الالماني للصناعه شاملا لكل المدن الرئيسية بنسب متقاربة , مستفيدة من القدرات الفكرية اللتي استثمرت فيها بروسيا و باقي الولايات منذ اكثر من مئة عام

كانت القدرات الفكرية حاضرة باستمرار, من جانب اخر ادي السلوك الاستقلالي للولايات الالمانية ان تتحول كل مدينة رئيسية بكل ولاية لعاصمة فكرية و صناعية قائمة بذاتها

ربما لم تكن اي مدينة من المدن الالمانية بتقدم لندن علي سبيل المثال , لكن كان الناتج الكلي لربع الولايات الالمانية متفوقا علي الانتاج البريطاني كاملا

كان تاثير ذلك مفصليا , فبينما استغرقت بريطانيا 150 عاما من اجل اتمام التحول الصناعي , لم تحتاج المانيا لاكثر من 40 عاما



لكن علي عكس ظروف المملكة المتحدة , فان الانهار الالمانية لعبت دورا بتشجيع الانقسام بين الولايات المختلفة , و كان علي بروسيا التصرف

رات بروسيا ان الوحدة لن تقوم الا ان تم فرضها باجرائات صناعية تضمن ترابط المصالح و سهولة الاتصال بين الولايات



تضمنت تلك الاجرائات تشجيع و تسهيل عمليات الادخار بين الولايات في البنوك البروسية الحكومية , بينما تضمن الكفائات المالية ادارة تلك المدخرات حيث تحتاج الدولة و بالتالي توحدت المصلحة
كما الامور المالية كانت استراتيجية برلين ان الوحدة يمكن تصنيعها بما توفره التكنلوجيا و عيله , اتخذت من الاجرائات ما يسمح بتخطي العوائق الجغرافية المتسببة بفرقة الولايات الالمانية

في القرن التاسع عشر , وصلت تكنلوجيا النقل بالسكك الحديدة لدرجة من النضج سمحت بربط الوللايات الالمانية بشكل فعال , ساهم النقل النهري البخاري بنصيب معتبر من هذا الدور و به تحولت الانهار من عائق استراتيجي لميزة استراتيجية



مع اكمال اول شبكة متكاملة للنقل البري في العالم عام 1880 معتمدة علي السكك الحديدية و بتطور النقل النهري فتحت الاسواق الالمانية داخليا.

كان لظهور تكنلوجيات اضافية تاثير كبير علي الوضع الالماني , فقد ادي ظهور الاسمدة الزراعية لقفزة كبيرة في الانتاج الزراعي لالمانيا
عند جمع تلك العوامل مع شبكة النقل الجديدة تبدل الوضع الالماني و و اكتسبت المنتجات ميزة تنافسية حتي في الخارج مستفيدة من رخص تكاليف النقل ماليا و بشريا

و مع كل ذلك , ثبتت بروسيا موقعها كطرف مبتكر قادر علي حل كل مشاكل الولايات الالمانية .

نحو التمدن

6.jpg


كما ذكرنا سابقا كان من ابرز ما تسم به عصر الانتقال الصناعي في المانيا هو ان التصنيع شمل كل الولايات الالمانية , مع تبني الصناعة في كل جوانب الحياة , حتي الزراعية منها قل الاعتماد علي المجهود البشري ما ادي لهجرة الفلاحين للمدن الرئيسية بحثا عن العمل

بمرور اجيال قليلة تحولت المانيا لاول دول تسكن غالبية سكانها المدن الصناعية
لم تضيع برلين الفرصه و قامت بانشاء الجامعات و المراكز البحثية , و بمرور بضعة عقود , كانت المانيا في مقدمة الدول الراعية للعلوم و الابتكار

علي عكس كل الاتحادات السياسة و اللتي تقوم فيها الدول بالتخطيط لاوضاعها بعد عملية الاتحاد , خططت برلين مسبقا لكل شيئ حتي قبل اتمام الوحدة , تماما كما الاتحاد الاوروبي اليوم و قبل اتمام وحدة سياسية كبري , كانت الوللايات الالمانية مترابطة بشبكة نقل موحدة و متكاملة , تتشارك بسوق موحد , تتمتع بمخزون بشري عالي الجودة و كانت المنطقة الاكثر استيعابا للصناعات و العلوم عالميا

كان لبرلين تماما ما ارادت, اذ ادت تلك الظروف لخلق حالة من الفخر و الوحدة الشعبية , ما سهل عملية تسويق الوحدة شعبيا و اهل السكان المتحدثين بالالمانية لقبول عملية الوحدة كخطوة مباشرة , منطقية ومتممة, لكن لم تسر الامور بتلك البساطة

الجمعية الوطنية لفرانكفورت

7.jpg


علي الرغم من السياسات المتعقلة و اللتي اتبعها بروسيا و اللتي جنبت المانيا ثورة مشابهة لثورات الطبقة الوسطي في الجوار الا ان التغييرات الاجتماعية و الاقتصاية الكبيرة اللتي صاحبت الثورة الصناعية لم تمر دون ترك بصمتها علي الفضاء الالماني كما فعلت بباقي المجتمعات الاوروبية

تمثلت التغييرات في الفضاء الالماني بمطالبات متزايدة بسقف حريات اوسع ,و تمثيل سياسي مباشر

في العام 1848 اجبر التمرد الملك فريدريك الرابع علي السماح باول برلمان الماني منتخب

كان للجمعية الوطنية لفرانكفورت , كما سميت لاحقا بتقديم التوصيات للملك ,لكن رات الكتل المطالبة بمزيد من الحريات داخل البرلمان

ان اي خطوة تفضي لسقف حريات اوسع , لن تتم الا بوحدة المانيا السياسية و بتعيين ملك بروسيا , كامبراطور لعموم المانيا , علي عكس المتوقع رفض فريدريك الرابع العرض بناء علي اعتقادة بان البرلمان تجاوز صلاحياته الشعبية و ثبتت صحة موقف الملك فريدريك لاحقا اذ فقدت الحركة الليبرالية زخمها ثم انهارت لاحقا من الداخل

مع هذا الوضع حدث تغييرين كبيرين اولهم كان البقاء علي الوضع كما هو ما ادي لشيوع الفكر المحافظ و ما تبعه من اضطهاد سياسي , و ثانيهم و هو هجرة كبري لليبراليين الالمان للولايات المتحدة ليبدأو من هناك ما فشلوا في تحقيقه بالمانيا



استمرت المطالبات بتوحيد المانيا لكن لن تكون تلك المطالبات هي السبب الرئيسي لتوحيد المانيا , اذ تسببت ازمة الجمعية الوطنية بتغيير في الزاج العام تجاه الوحدة

الحرب تقترب

8.jpg



في عام 1860 و بتخطيط حكيم , ثبتت برلين وضعها كالقوة الاولي في اوروبا . لم تمثل قوة برلين حينها فقط الانتاج الصناعي بل تخطي الجميع اقتصاديا , ديموغرافيا و حتي عسكريا . كانت النو السريع و في القوة الالمانية عامل عدم استقرار اساسي في اوروبا حيث رات القوي الرئيسية تهديدا جيوسياسيا مباشرا و معه تولد ترقب لحرب كبري بين القوي الاوروبية الرئيسية.



لم تكن بروسيا غافلة عن هذا الامر و بدئت من جانبها باعداد نفسها للحرب. في العام 1862 عين الملك فيلهلم الاول اوتو فون بسمارك كرئيس وزراء لبروسيا

كان بسمارك دبلوماسيا بارزا و كان متحالفا مع شخصيات لا تقل عنه حيوية مثل البرخت فون بروم و هلموت فون مولتكيه

قام بسمارك و شركائة بالتخطيط لوحدة المانيا , بعيدا عن الجمعية الوطنية لفرانكفورت. كنتيجة لذلك استبدلت خطة بسمارك الرضي الشعبي بحملة عسكرية تهدف لتوحيد المانيا

بدئت حملة بسمارك و حفائه بانتزاع شبه جزيرة اوتلانت الناطقة بالالمانية من الدنماركيين , ثم شن بسمارك حملة اخري كانت اقصر لكن اكثر حسما ضد فينا ثبتت فيها المانيا موقعها كمركز القوة الاساسي و الوحيد للفضاء الالماني

بعد الحملتين السابقتين قامت بروسيا بدمج 22 ولاية المانية لكونفدرالية شمال المانيا و عين بسمارك مستشارا للكونفدرالية

9.jpg


استمرت الولايات الالمانية الجنوبية و تالمتحالفة مع النمسا غير راغبة في الانضمام للشمال الالماني ما جعل استراتيجية ضمها بالقوة معرضة لوحدة الدولة ان تغيرت موازين الثوة مستقبلا ,لذلك كان علي بسمارك التفكير في بدائل لجذب الولايات الجنوبية للاندماج بالشمال الالماني بدون الحاجة لمزيد من العنف

في العام 1870 خطط بسمارك بذكاء لازمة سياسية ادت لان تعلن فرنسا الحرب علي بروسيا , ثم استحضر دعائيا ذكريات الحرب مع نابليون و استغل المشاعر المناهضة للفرنسيين لتوحيد كل من الشمال و الجنوب

نجحت استراتيجية بسمارك و توحد الشمال و الجنوب ضد العدو الفرنسي المشترك , و في خلال شهرين سحقت المانيا الجيش الفرنسي و اسرت الامبراطور الفرنسي نفسه.
مع غرق فرنسا في الفوضي تحرك الائتلاف البروسي لحصار باريس


1871 الاعلان الامبراطوري الثاني

10.png

في العام 1871 و للامعان في اهانة الفرنسيين , اعلن فيلهلم الاول امبراطورا للامبراطورية الالمانية الثانية , حيث اعتبرت الامبراطورية الرومانية المقدسة كاول امبراطورية المانية

فور اعلان الوحدة ركز بسمارك كل جهده علي تشكيل الهوية الالمانية , في العام 1880 اشرف بسمارك علي اصلاح التعليم بما يتناسب مع الهوية الالمانية الجديدة و معها تشكلت شخصية اكثر علمانية و اقل ارتباطا بالكنيسة الكاثوليكية اللتي تواجدت بجنوب المانيا

لم يغب عن بسمارك التهديد القادم من روسيا و المتمثل بالافكارالماركسية و اللتي كانت تروج قبل الوحدة الالمانية باكثر من 20 عاما لذلك اهتم بسمارك بتحصين الشرق الالماني من الاحزاب الاشتراكية حيث شرعت حكومة المانيا في استيعاب الولايات الشرقية من ىخلال برامج اجتماعية تضمنت المعاشات , التامينات و الرعاية الصحية

لتجنيب المانيا تعدد الجبهات شرقا و جنوبا تم حل الخلافات بين المانيا و النمسا, كانت البنية المجتمعية في النمسا اكثر تعددية و بالتالي رات النمسا ان الانضمام لالمانيا سيدمر البنية الاجتماعية , عوضا عن الانضمام لالمانيا تشكل تحالف بين القوتين



مع تصاعد التيار القومي الالماني , تحول الارث البروسي تدريجا لقومية المانيا , و مع وحدة المانيا تم كسر الكثير من القواعد الحاكمة للجيوسياسات الاوروبية

الاهانة اللتي صاحبت اعلان الامبراطورية للفرنسيين عنت انه لا مفر من المزيد من الحروب, ضمن الوضع الجغرافي لالمانيا و انفتاحة علي الشرق و الغرب ان تتورط المانيا في حروب متعددة الجبهات و كان الالمان شبه متأكدين من حتمية مشاركة روسيا في الحرب ضدهم ان قامت الحرب مع فرنسا



اكد كل ما سبق لصناع السياسة الالمانية علي ضرورة تبني عقيدة سياسية و عسكرية جديدة

كان اساس العقيدة هو ضمان بقاء الدولة الالمانية من خطر الحرب المفتوحة علي اكثر من جبهة لن يتحقق بدون التحرك استباقيا ضد مصادر التهديد شرقا و غربا



في العقود المقبلة سيشهد الفضاء الاوروبي و الالماني حروبا مدمرة و تقسيم جديد لالمانيا , علي الرغم من تغيير الحدود , بقي ما بناه بسمارك في العقل الالماني ثابتا و معه تشكل ما يعرف بالعقل الالماني



يتبع في القسم الثاني
تشكل العقل الالماني​
 
باذن الله في اقرب وقت
 
معلومات مبهرة و أغلبها يعتبر ملخص لأهم أسباب قيام الحرب العالمية الاولى و الثانية و هو طموح "توحيد" العرق الألماني أو الدول و الممالك و الامارات المتحدثة بالالمانية .

رحلة جميلة ارجو نزول باقي الاجزاء ف وقت قريب.

 
احب الصناعة الالمانية بشكل هستيري، ولا ارى دوله في العالم تصنع وتنتج منتجات تتفوق على جودة التصنيع الالماني، مشكلتي مع الالمان هي القيادة السياسية الحالية لديها فكر ارعن تجاه بلدي، اتمنى ان نصل الى توافق معهم فالالمان مكسب وكنز ان تعاونا معهم ونقلنا طريقتهم في التصنيع ومعايير الجودة.
 
ألمانيا أحد أبرز معاقل اليهود بالعالم وتواجدهم قديم جدا مقارنة مع المذكورين أعلاه.

منها خرجت عائلة ترامب اليهودية ومنها خرجت عائلات يهودية اخرى عريقة.
 
شكراً اخي على هذا المقال الرائع، اتمنى ان تتحفنا في الاجزاء القادمه بتفاصيل التفاصيل عن العقل الالماني، كيف نشاء ولماذا هو فريد من نوعه، اتمنى لو اعرف طرق تفكير الالمان لاطالما بحثت عن مثل هذة المقالات عنهم ولم اجد، بالتوفيق
 
القسم الثاني

العقل

كان القرن العشرون من اكثر فصول الانسانية دموية و دمارا. ملايين و ملايين من البشر تم افناؤهم.
لم يتكرر اسم في كل تلك المأسي بقدر ما تكرر اسم المانيا , في وسط حربين عالميتين , فترة الحرب البارده و ما بعدها و علي الرغم من وحدة الاهداف الجيوسياسية , قامت حكومة برلين بتغييرات جذرية ادت لتغييرات كبيرة في العقل و السلوك الجيوسياسي الالمانيين

1.jpg



العام 1943- احد اكثر اعوام الحرب العالمية الثانية سخونة

المكان البرلمان البريطاني

الحدث : وينستون تشرتشل مخاطبا البرلمان البريطاني



مع استمرار الحرب العالمية الثانية و بعد ما يقرب من 3 اعوام من انتهاء معركة بريطانيا , صرح رئيس الوزراء البريطاني حينها وينستون تشرتشل بما يلي

(The core of Germany is Prussia; there, is the source of the recurring pestilence. Nazi tyranny and Prussian Militarism are the two main elements in German life, which must be absolutely destroyed)

و ترجمته هي ما يلي

ان نواة المانيا هي بروسيا , من هناك يتجدد هذا الوباء , ان الحياه الالمانية ممثلة بعنصري الاستبداد النازي و العسكرية البروسية هي ما يجب تدميره تماما

بلا شك ان تشرتل عني ما يتجاوز تدمير الحياه حيث ان الحياه تتجدد و طالما تجددت تجدد معها ال(وباء) , في الواقع عني تشرتشل تدمير الرمزين و في ذلك كان محقا لمصلحة بريطانيا.

لكن ما المميز في بروسيا حتي يخصها رأس الحكومة البريطانية في خطبته و وعيده


بروسيا ,مجددا


2.png


شكلت الاصول البروسية نواه المانيا الحقيقية ,و مع توحيد المانيا في عام 1871 تشكل اكبر مركز قوة اوروبي في تلك الارض


علي الرغم من كون الطبقة الحاكمة حينها كانت ملكية , و علي الرغم من عدم اختلاف توزيع الثروات كثيرا بين المانيا و جوارها
الا ان كفائه الادارة في بروسيا كانت عقلانية بما يكفي لتجنيب البلاد الثورات البرجوازية اللتي ضربت كل من هولاندا , فرنسا و بريطانيا . كنتيجة لذلك فان التغييرات اللتي صاحبت تلك الثورات في البلدان المذكورة لم تغير من شيئ في المانيا و استمر النبلاء لوردات الاراضي والارستقراطيين من السيطرة علي كل من الجيش و المجتمع
ادي ذلك لاستمرارنهج اعتبر في الجوار الالماني محافظ و غير متسامح بينما نظر له داخليا كمجرد اسلوب لادارة شؤن الدولة

في هذا المناخ تشكل ما يعرف الان بالتوجه السياسي اليميني , و اللذي لم ينظر بايجابية للنظريات الليبرالية في الجوار الالماني



مع انتهاء الحرب العالمية الثانية قرر الحلفاء ان اساس المشكلة بالعقلية الالمانية هي بروسيا و انه لا ترويض لالمانيا بدون اخماد بروسيا

كان من ضمن سياسيات الاخماد هي تقسيم المانيا لقسمين شرقي و غربي سمي القسم الشرقي بالجمهورية الديمقراطية , بينما سمي الغربي بالجمهورية الفيدرالية , ثم قسم الجزئ الغربي مجددا لثلاث مناطق ادارية بين بريطانيا , امريكا و فرنسا

تعزز هذا التقسيم مع ما عرف لاحقا بالستار الحديدي و معه تم امتصاص المانيا الشرقية ضمن الفضاء الشيوعي كدولة تدور في الفلك السوفيتي و تقريبا كما البيت البروسي , اشرف الحزب الشيوعي علي كل من الجيش , السياسة و المجتمع


علي الجابن الاخر و كما اوردنا لاحقا قسمت المانيا الغربية لثلاث مناطق ادارية , او مناطق احتكار بالاحر و وزعت علي كل من بريطانيا , فرنسا و امريكا
لكن في الواقع لم تكن اضافة فرنسا و بريطانيا ذات معني يتعدي الشكلية حيث و كما موسكو , امسكت واشنطن بكل الخيوط في الغرب

لكنها عنت من التقسيم مزيدا من الاخماد لبروسيا و اللتي امتدت بين الالمانيتين

1949



تغير الموقف في هذا العام مع تولي كونراد اديناور Konrad Adenauer و بدئه في سياسات اكسبت المانيا الغربية نوعا من الاستقلال

من هذا التاريخ سارت كل من المانيا الشرقية و الغربية في مسارات تطورية مختلفة تماما

تم دمج المانيا الغربية تماما مع المنظومة الاطلسية. سمحت خطة مارشال بتعافي سريع جدا من دمار الحرب العالمية الثانية و في خلال عشر سنوات فقط تحول الاقتصاد الالماني الغربي لاحد اسرع الاقتصاديات نموا و حيوية و معها قامت حكومة بون بالتعاون مع ال(حلفاء الغربيين) بتدمير كل ما تبقي من الارث العسكري البروسي و السياسي النازي علي حد سواء


3.png



في الشرق و مع تشابه اهداف موسكو و واشنطن , قررت موسكو ان تقوم بلعبة تغيير ولائات الكفائات النازية مع الاحتفاظ بسياساتها و الاسباب كانت عقائدية بحته تخص نشر الشيوعية

فقد قام ستالين بتشجيع ضباط الSS السابقين بالانضمام لوحدات الامن و المخابرات الرئيسية بالمنانيا الغربية و المعروفة بالاستاسي Stasi
كما هو متوقع , ادي دمج ضباط الSS في جهاز امني في الفضاء الشيوعي لتكوين احد اقوي , انجح و اكثر اجهزة الامن رعبا و نجاحا في ذات الوقت , كان الجهاز ناجحا لدرجة ان قورنت نجاحاته الداخليه بنجاحات الKGB نفسه , اعتبرت موسكو ذلك نصرا كبيرا و قررت ان يبقي الوضع كما هو



كما في الغرب , كانت المانيا الشرقية احد انجح و اقوي الدول التابعة لموسكو, علي مدي ماي قرب من 6 عقود سيتطور كل من الشرق و الغرب في اتجاهات و اقتصادية متباية لحد كبير.علي الرغم من نجاح كل من شرق و غرب المانيا , الا ان مستوي المعيشة علي الجهتين لم يكن يصلح حتي للمقارنة.

لم يكن وضع الدولتين او استقطابهم طبيعيا و علي الرغم من الاستقرار الظاهري , انتهي وضع الدولتين معا و بشكل مفاجئ مع سقوط الستار الحديدي و تشكل المانيا الموحدة , لكن بحرب او بدونها , ظلت مسالة الوحدة امرا معقدا


معضلة الوحدة السياسية و القومية

علي الرغم من ما توفره الانهار السابق ذكرها من سهولة في الاتصال و الحركة و التجارة لا ان ما شكلته الانهار لم يكن مماثلا لما شكله نهر النيل في معظم تاريخ مصرعلي سبيل المثال , بل شكل تعدد الانهار تعدد لمراكز القوة داخل القلب الالماني و الحال تقريبا علي ما هو عليه الي الان و لو بشكل نسبي في اتحاد الولايات الفيدرالي الالماني , عزز ذلك تاريخا معقدا من الحروب و التقسيمات و الانقسامات

كما ذكرنا كانت المانيا كانت في معظم تاريخها ممثلة بولايات منفصلة الي ان وحدها اوتو فون بسمارك في العام 1871


4.jpg



و حتي بعد تلك الوحدة , ظلت فكرة القومية الالمانية حجرا صلبا لسنين و كأسا قابلا للكسر لسنين اخري !

بل كانت الفكرة ملتبسة في اكثر ظهور للوحدة الالمانية في الفترة من العشرينات حتي اوائل الاربعينات خلال الحقبة النازية , كانت بقايا تلك الانتمائات ظاهرة حتي لدي اعتي جنرالات هتلر علي سبيل المثال لا الحصر كان الجنرال رونشتدت يعرف نفسه كارستقراطي بروسي

مع الهزيمة في الحرب العالمية الثانية , تم تقسيم المانيا مجددا لكن رغما عن ارادة سكنها و نتيجة لترتيبات الحرب الباردة

و استمر هذا الوضع حتي العام 1990 حين تم توحيد المانيا مجددا


1589452353202.png


مع توحيد المانيا , تعتبر برلين اليوم هي مركز الثقل السكاني و السياسي للدولة

لكن يظل النظام القديم قائما بشكل ما

فمع اهمية برلين , تظل هناك مراكز قوة ثقافية , اقتصادية و سياسية في كل من هامبورج , ميونخ , كولونيا و فرانكفورت

يتم حفظ الوحدة كما ذكر سابقا في صورة اتحاد فدرالي , و كنتيجة لذلك , القوة في المجمل و السياسية منها خصوصا تتميز بعدم المركزية بشكل كبير , ما يقود برلين(ممثلة لالمانيا ) للهدف الجيوسياسي الاول و الاهم و هو الحفاظ علي الوحدة السياسية و الارتباط الجغرافي من خلال منظومة من العلاقات و التوازنات بين الولايات الفيدرالية المختلفة تعقدها الكثير من التحديات



التحديات و وحدة المانيا



لم يكن ما حدث مجرد اعادة لترسيم الحدود , اذ ان تلك الاختلافات السياسية و المعيشية لنظامين مختلفين الا ان تضع ستارا حديديا اخر في وجه عملية توحيد المانيا , اضيف اليها عقدة برلين

لفهم المسألة ينبغي ان توضح بعض التفاصيل


فالستار الحديدي سقط نتيجة لانهيار الكتلة الشيوعية , و هزيمتها في الخرب البارده و عليه استلم المنتصر و هو الغرب تركته و اللتي تمثلت في عدة امور منها تفكيك حلف وارسو و اعادة توحيد المانيا و ضمها للناتو ,كانت المانيا الشرقية دولة معادية قبلت طوعا الانضمام للغرب

لكن وضع المانيا الشرقية لم يتسق مع وضع لا طرف مهزوم و لا طرف يستجدي اعادة التوحد مع الغرب الاكثر نجاحا , في الواقع و بدلا من ان تقبل شرق المانيا ان تحكم من بون , انتقلت الحكومة في غرب المانيا لتحكم من برلين و بشكل مفاجئ تشكلت حكومة هيمن عليها سياسين رسموا الخريطة السياسة لالمانيا الغربية و كان مطلوب منهم ان يحكموا دولتين في شبه حاله عداء , لجعل الامور اسواء كان مطلوب منهم ان ينقلوا العاصمة لعاصمة المنايا الشرقية السابقة و المانيا الموحدة
كان لذلك توابع سياسية كبري ستنتطرق لها لاحقا



شعر الغرب الالماني بالارتياح لعملية الوحدة اذ عنت له مزيدا من اليد العاملة المطلوبة للصناعة لكنهم اكتشفوا سريعا الفروقات في معايير الجودة بين الشرق و الغرب

في الشرق الالماني , كانت تجربة الوحدة مختلفة تماما , فقد تطلب لنجاح تجربة الوحدة و ما تبعها من انتقال الشرق من النظام المركزي لنظام السوق الحر ان يعيد الشرق الالماني اعادة اختاع و تسويق نفسه للسوق الجديد
كانت صدمة التحول اشد من ان يتحملها الشرق مع اضافة المنافسة الداخلية مع غرب المانيا ,انهار المجهود الشرقي تماما بافلاس المصانع و الشركات الشرقية تبعها تسريح العمالة و زيادة بنسب البطالة, و معها بدئت الهجرة الداخلية من الشرق الي الغرب

كنتيجة لذلك تم نسيان الشرق , حيث العاصمة برلين , و ازدهر الغرب

لم يكن لهذا الوضع ان يبقي لذلك بدئت الحكومة الالمانية بضخ استثمارات من فوائض الغرب المالية لتطوير الشرق

فمنذ الوحدة ضخ الغرب الالماني استثمارات تقدر ب2 تريليون دولار فقط لتطوير الشرق و مع تلك الاستثمارات بدئ الوضع بالتحسن التدريجي في شرق المانيا , علي الرغم من ذلك و الي تلك اللحظة يظل الشرق معتمدا بشكل كبير علي ضريبة تطوير الشرق اللممولة لهذا المجهود الحكومي لتطوير الشرق

و الي الان لم تمحي الفروق الاجتماعية و الاقتصادية بين شرق و غرب المانيا بل يتطور الامر لعقدة سياسية لصانع القرار الالماني و مع تلك العقدة تحديدا , يتشكل السلوك الجيوسياسي الالماني

في الوقت الحلي يعد الغرب الالماني اكثر مدنية , ابتكارا و مركز لمعظم الشركات التقنية و الصناعية الكبري

تسكن معظم الجاليات الاجنبية كذلك بالغرب الالماني و يعتبر الغرب الالماني اكثر غني بالفرص

بالاضافة الي ذلك فللغرب ميزة ثقافية باتساق العمارة فيه بنفس النمط الالماني التقليدي , و لذلك تقدم الدولة الالمانية الغرب للعالم كسفير لها

الشرق من الجهة الاخري يظل الجانب الاقل تطورا , يسيطر علي المشهد شرقا الاراضي الزراعية كمقياس للنشاط الغالب في تلك المنطقة

اقتصاديا يقل الناتج المحلي لشرق المانيا ب25% عن الغرب الالماني , مقارنة بدول حلف وارسو السابقة لا يعتبر هذا فشلا بل يعتبر الشرق الالماني متطورا و غنيا , لكن تختلف الامور عند مقارنتها بالغرب الصناعي الالماني


عند مقارنة البطالة بين الشرق و الغرب نجد ان البطالة في الشرق الالماني تقترب من ضعف معدلها لدي الغرب


5.png


 
تسلم علي الموضوع الرائع هذا الايام المواضيع الغوغائية مسيطرة علي المنتدي جيد جدا ان تعيد الناس الي المواضيع الممتعة
 
المانيا و المزاج الثوري



علي ضوء كل ما سبق يطرح تساؤلا موضوعيا وهو لماذا لم نري سلوكا ثوريا في المجتمع الالماني ,علي الرغم التغييرات المتعاقبة و الجذرية علي مدي تاريخه


و الاجابة ببساطة ان الثورات تقوم بسبب احتمالين ,


اولهم هو كرد فعل علي سلوك حكومي ادي الي خسارة اقتصادية كبري بعد سنين من الرخاء , مع حسارة المكاسب الاقتصادية يتحول المزاج الشعبي لمزاج ثوري

و الثاني ناتج ببساطة عن عدم قدرة الحكومة عن الوفاء بالتزام قطعته علي نفسها بالطور و الرخاء



علي مدي تاريخ المانيا و علي الرغم من كل ما تغير في انمتها السياسية و الاقتصادية , استمرت الحكومات الالمانية علي النهج البروسي المتعقل و اللذي لم يسمح لاي من الاحتمالين بتغيير المزاج العام حتي وقت قريب


منذ الوحدة الاولي و حتي اعادة توحيد المانيا تم بشكل تقني الوفاء بكل ما وعد الشعب الالماني به , استغلت الحكومة الالمانية ليس فقط الفوائض المالية بل اختلاف التوقعات من الحكومة بين الشرق و الغرب و ادارت لعبة التوازنات الاجتماعية بذكاء لافت



اما عن اختلاف التوقعات من الحكومة بين الشرق و الغرب فهو اختلاف عقليات بين الطرفين شكله التاريخ بشكل اساسي

لتوضيح الامور فان 6 عقود من الحكم الشيوعي في شرق المانيا ادت لتغيير العقل المجتمعي لمواطني الشرق بشكل جذري

ففي الشرق كانت الحكومة مسؤله عن كل ما يخص الفرد الالماني من تعليم , صحة , وظائف الي اخره , لذلك توقع المواطن الشرق الماني من الحكومة اختلف عن نظيره الغربي, فقد توقع المواطن الشرقي ان تتم مناقشة مشاكله علي مستوي دولة قائمة علي بيروقراطية قوية و مركزية , هنا جائت البرامج الحكومية و اللتي توقعت لها الحكومة الالمانية الاستمرار حتي تغيير العقلية الشرقية و هي عملية ستتطلب عقودا



الغرب الالماني علي النقيض و المبني علي مبادئ اقتصاديات السوق يختلف توقعه عن الشرق الالماني حيث يتوقع ان تعالج مشاكله علي المستوي المحلي المجتمعي ذاته بدلا من مستوي الدولة

مع الهجرة الشرقية للغرب تعلم الكثير من الالمان الشرقيين الاسلوب الغربي في معالجة الامور , لكن ليس الجميع , اذ استمرت جيوب المقاومة بالتشكل مع عدم قدرة جزء من المواطنين علي التأقلم و عدم قدرة النظام علي استيعاب الجميع
مع المناخ الديمقراطي الغربي تعلمت تلك الفئات تشكيل معارضتها و الترويج لها و اجبرت المؤسسة الغربية علي التعامل معهم , مع الزلزال المالي في العام 2008 تزايد بشكل لافت التاييد لتلك المعارضة و لاقت دعاياتها صدي كبيرا


2008


1.jpg


تسبب الزلزال المالي في 2008 بتغيير جذري و مخاطر كبري هددت لعبة التوازنات في الداخل الالماني

كانت النتائج الاخطر لهذا الزلزاال هو تناقص الفوائض المالية المتجهة شرقا بشكل كبير ما ادي ازدياد الفروق بشكل لافت بين الشرق , حيث العاصمة برلين و الغرب الصناعي ترجمت الفروق اجتماعيا لتعثر و احيانا لفشل النظام القائم



مع تلك التغييرات الاقتصادية السلبية , تغير المزاج العام في تلك المناطق و اصبح اكثر قبولا لاراء اكثر تطرفا في معارضتها للنظام القائم
و هنا لا نعني اتجاه سياسيا بعينه , بل في الواقع في تلك الفترات يكون القبول لكل الاراء المتطرفة سواء كانت يمينة او يسارية , مع انكشاف الشرق الالماني علي مدي تاريخه لكل الاتجاهات من فاشية , قومية و شيوعية و ليبرالية كان الوضع هو ان تبنت مجموعات مختلفة كل الاتجاهات السابق ذكرها حتي الليبرالية تم تبني نسخة متطرفة منها
و الواقع ان هذا لا يعتبر مؤشر علي تغيير مجتمعي بقدر ما هو تعبير عن معارضة مجتمعية لسياسات الدولة فيما يخص تفضيل الانفاق في اتجاهات كالدفاع و المساعدات الاجنبية علي الاستثمار الداخلي.


4.jpg


من المهم الاشارة هنا الي ان ما ذكر هو تحليل لاتجاه سياسي و ليس بالضرورة اشارة ان المجتمع الشرق الماني يتحول لهذا الشكل بل هي اشاره الي ما سيتبناه صناع السياسة في منقطة بعينها و الي اين سيتوسع صناع السياسة

بعد العام 2008 بدئ الخطاب المتطرف يطبع الخطاب السياسي الالماني , منذ ان انطلق شرقا , اكتسبت الخطابات السياسية المتطرفة يمينية ام يسارية تواجدا متزايدا في الغرب , جائت تلك الزيادة في شعبية الاحزاب المتطرفة علي حساب الاحزاب التقليدية

ظهرت تلك التغييرات بشكل واضح في الانتخابات الالمانية الاخيرة حيث كان لاحزاب و حركات ك bediga, البديل من اجل المانيا , الحزب الديمقراطي الوطني اليد العليا في الشرق الالماني , حيث توجد برلين

كانت خطابات المجموعات المذكورة و ان كان ظاهرها عداء المهاجرين و القومية المتطرفة , الا ان جوهرها كان اللعب علي العاطفة و النوستالجيا للمواطن الشرقي حيث كانت الحكومة تقوم بالوفاء بكل متطلبات الشعب حينها و كانت المسؤال الاول عن اي تعقيدات اجتماعية


4.jpg


تظل الحكومة الالمانية الي تلك اللحظة ممسكة بزمام الامور علي الرغم من تعقد الوضع الا ان وضع انجيلا ميركل المستشارة الحالية هو انها وقعت ضحية لنجاحاتها
اذ ان الانفاق الحكومي من فوائض الغرب و اللذي ادي لتحسين الحياه شرقا تسبب بغضب كل من الشرق اللذي يتوقع مزيدا من الرعاية الحكومية و الغرب اللذي رأي موارده لا تذهب كلية لتطوير مرافقة الخاصه

ادي هذا الوضع لزياده الفجوة بين القاعدة الشعبية شرقا و غربا و رؤس السياسة الالمانية تلك الفجوة اللتي لم تجد من يملئها افضل من التيارات المتطرفة و التي تسعي لزيادة قاعدتها من خلال زيادة تلك الفجوة



يظل السلوك السياسي الالماني قائما بالاساس علي حل العقدة الفروق بين الشرق و الغرب , بالاضافة الي ذلك و لكونها المحرك للاتحاد الاوروبي يعتمد مستقبل الكتلة الاوروبية بشكل كبير علي ما يحدث في برلين

يتبع في القسم الثالث
الاهداف و الوحدة و التحديات

 
التعديل الأخير:
تسلم علي الموضوع الرائع هذا الايام المواضيع الغوغائية مسيطرة علي المنتدي جيد جدا ان تعيد الناس الي المواضيع الممتعة

مشكور اخي الكريم و ان كان لي تعليق ان الموضوعات الغوغائية تسيطر بسبب اقبال الناس علي التعليق بها , لو تجاهلنا تلك الموضوعات لما اكتسبت تلك الارضية
احيانا يري سلوك الادارة بحذف الموضوعات من تلك الفئة بالديكتاتورية لذلك نكون حريصين علي تحسين المحتوي لا المنع
 
شكراً اخي على هذا المقال الرائع، اتمنى ان تتحفنا في الاجزاء القادمه بتفاصيل التفاصيل عن العقل الالماني، كيف نشاء ولماذا هو فريد من نوعه، اتمنى لو اعرف طرق تفكير الالمان لاطالما بحثت عن مثل هذة المقالات عنهم ولم اجد، بالتوفيق

العقل ليس فريدا علي الاطلاق لو كنت تعني انه افضل من عقول باقي البشر , اما عن نشأته فكما ذكرنا تعود للتبني المبكر جدا للتعليم و نشره علي اوسع نطاق
 
العقل ليس فريدا علي الاطلاق لو كنت تعني انه افضل من عقول باقي البشر , اما عن نشأته فكما ذكرنا تعود للتبني المبكر جدا للتعليم و نشره علي اوسع نطاق
اختلف معك العقل ياباني والالماني تحديدا متفوق عن غيرهم و بالنسبه للتعليم طب ما انت عندك مثلا امريكا و كندا و فرنسا و اسبانيا و بريطانيا مش زي الالماني ابدا ومهتمين بالتعليم برضه
 
اختلف معك العقل ياباني والالماني تحديدا متفوق عن غيرهم و بالنسبه للتعليم طب ما انت عندك مثلا امريكا و كندا و فرنسا و اسبانيا و بريطانيا مش زي الالماني ابدا ومهتمين بالتعليم برضه

خذها من من عاش في المانيا و معظم اوروبا و امريكا و مستمر بالسفر اليهم لدواعي العمل , العقل هو واحد لكن تبني هذا العقل هو ما يختلف بين كل منهم
امريكا لا يوجد بها تعليم جيد للجميع لكن لفئات دونها لذلك تجد العامة في وضع سيئ بينما تجد اكبر تجمع للعلماء في نفس البلد
وضع اليابان كالمانيا
تالاجابة عن سؤالك تتلخص بفهم تاريخ كل دولة و المعادلة بسيطة , كلما قلت الصراعات الداخليه كلما كانت هناك فرصه لاستثمار مضاعف في العقول و هذا ما تحقق بالمانيا و لم يتحقق مثلا بفرنسا نتيجة للثورة ضد البرجوازية بينما ادارت المانيا انتقالا بشكل افضل
باختصار لكل بلد منطقها الخاص و ظروفها اللتي فرضها هذا المنطق
 
اخي الفاضل انت قامة من قامات المنتدي
وياريت لو تكرر مواضيع كتلك
عن نشأة الدول وتطورها بمنطقتنا وبخاصه بمصر
 
باذن الله اخي الكريم
 
القسم الثالث

الاهداف

الوحدة و التحديات

تضمن الوحدة للانظمة المماثلة للنظام الالماني ببساطة بتواجد و توزيع متناسب وعادل للثروة و الخدمات.

الوضع الالماني يعتبر شبه استثنائي بوجود شبكة انهار طبيعية مناسبة للملاحة تستطيع ربط البلاد كليا , مجتمعة باتصالها بنقاط اتصال بحرية مهمة , و موقع متوسط بقارة اوروبا مدعم بشبكة نقل عام متطورة , كل ما سبق يعطي لالمانيا ميزة تنافسية ضخمة في ما يتعلق بتكاليف النقل , ضف علي ذلك القوة التكنلوجية و الصناعية و استحواذها علي رؤس اموال ضخمة من كل ما سبق تجد ان وجودها بالمركز الثالث كاكبر مصدر هو امر مفهوم , و بالتالي وجودها كدولة غنية تستطيع سد احتياجات شعبها هو امر يسهل توقعه



في الواقع تعتبر المانيا و الشمال الاوروبي عموما من اكثر المناطق المتشبعة بالثروة في العالم , ما يفسر قدرة المانيا علي التعافي السريع بعد الحروب

علي الرغم من كل تلك الامور المطمئنة فيما يتعلق بالثروة , توزيع الثروة يعتبر امر اخر

1.png


كما هو موضح , لا يختلف الوضع كثيرا في المانيا عن دول تعاني من مشكلة اتساع شديد في الفجوة بين الفقراء و الاغنياء , بناء علي ما نشره البنك المركزي الالماني , يستحوذ ال10% الاغني في المانيا علي 63% من الاصول بالمانيا

بينما يستحوذ ال60% علي اقل من 8% من الاصول


يظهر بوضوح الفرق عند المقارنة بين الشرق و الغرب الالمانيين.

للتدليل , في العام 2015 حققت هامبورج ناتج محلي اجمالي للفرد يعادل 53000$ دولار بينما في ساكسونيا حققت 31000$

و في بعض الاحيان كان الفارق يصل ل72000$ مقابل 23.800$ دولار و هي فروق واضحة للغاية لدخول الافراد



عند مقارنة مشاركة السكان بالدخل , فسكان شرق المانيا , بما في ذلك العاصمة برلين يشاركون تقريبا ب15% من اجمالي الناتج المحلي الالماني , بينما تشارك ولاية ويستفليا وحدها ب21% من مجمل الاقتصاد الالماني



هناك ذلك الاعتقاد السائد بان الفروق الهائلة بين الشرق و الغرب الالمانيين يرجع بالاساس للماضي الشيوعي للشرق , لكن في الواقع و كما اشرنا سابقا , الامر و ان كان جزئيا عائد للماضي الشيوعي للشرق الا ان السبب الرئيسي لتلك الفروق عائد لتوزيع الانهار اللتي تحدد ثروة كل منطقة

الامر و ما فيه ببساطة , هو ان الانهار الغربية لالمانيا تقود للاسواق الاكثر ازدهارا في الغرب الاوروبي , بينما تقود الانهار الشرقية للاسواق الاقل تقدما و غني في شرق اوروبا

لذلك تعقد التركيبة النهرية للدولة من تطور الشطر الشرقي للدولة بينما تسهله التركيبة النهرية للشطر الغربي للبلاد.

تمثل تلك المعضلة الهدف الجيوسياسي الثاني لبرلين


التكافؤ الاقتصادي



يعتبر عدم التكافؤ الاقتصادي المسبب الرئيسي لاي توتر مجتمعي في الداخل الالماني , تقوم الدولة بمعادلة توزيع الثروة داخل الولايات الالمانية من خلال عدة برامج اجتماعية و اقتصادية , نتيجة لذلك , في معظم الاوقات لا يشعر العامة بالضرورة بتلك الفروق الاقتصادية بين الولايات



لكن و بما ان تقريبا نصف الدخل الالماني يعتمد علي تصدير المنتجات المختلفة ,تظل قدرة المانيا علي الوفاء بتلك الالتزامات المجتمعية مرهونة بقدرتها علي الدخول للاسواق , و ضمان تنافسيتها
هنا تحديدا تكمن اهمية الاتحاد الاوروبي لالمانيا. من مجمل الصادرات الالمانية مالا يقل عن ثلث الصادرات الالمانية يصدرلدول تقع في منطقة اليورو , لذلك تجد استماتة المانية في الدفاع عن كل ما يتعلق بالاتحاد الاوروبي
فعلي عكس بريطانيا , ان انهار الاتحاد الاوروبي التاثير علي المانيا سيكون فوري و كبير حيث من المرجح ان يتبعه توتر مجتمعي في المانيا ذاتها ناتج عن تاثر برامج الدعم الحكومي و تعثر اقتصادي ناتج عن تعقد عملية الدخول للاسواق , ما يقود الدولة الالمانية للهدف الجيوستراتيجي التالي , فبالرغم من كل ازماته التشريعية , خروج بريطانيا و تهديد دول اخري ابرزها هولندا بالخروج, ازمات اللاجئين و صعوبة استيعاب الاعضاء الجدد في المنظومة الاوروبية فضلا عن ما انتجته الشنجن من سهولة تحرك منظمات الجريمة المنظمة و الارهاب الدولي علي حد سواء , يظل وجود الاتحاد الاوروبي ضامنا و بنسبة كبيرة لوجود المانيا القوية ذاتها



الدفاع عن الاتحاد الاوروبي

2.jpg


ان قمت بكشط اليورو , ستجد المارك الالماني تحت القشرة

جملة ذكرها الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في احد مناقشاته مع سياسيا المانيا حين ساله هيكل عن اهمية منطقة اليورو لالمانيا , في الواقع اليورو لالمانيا هو بمثابة الرايخ الرابع (ان لم يكن كذلك فعليا) و عليه ستقوم المانيا بكل ما يمكن للحفاظ علي الاتحاد الاوروبي و خصوصا منطة اليورو و المنطقة التجارية الاوروبية , فمن جهة يعتمد تحقيق اهدافها الجيوسياسية السابق ذكرها بضمان بقاء الاتحاد ,هذا عن منطقة اليورو , اما عن الاتحاد نفسه سواء منطقة اليورو الدول التي لم تدخل نطاق اليورو , فلها اهمية جيواستراتيجية اخري لا تقل اهمية و هي حل تعقيدات المانيا الجغرافية و علاقاتها بامراكز القوة الاقليمية داخل اوروبا و الدولية



الموقع الجيد ,السيئ !



علي كل ما ذكر في مدح الموقع الالماني , الا ان وضع المانيا يشبه كثيرا ان يتم حبسك في قفص ملئ بالاسود علي شاطئ المالديف !
يظل شاطئ المالديف ساحرا , لكن لا يمكن وصف وضعك في قفص الاسود بوضع مريح !

لشرح الامر يكفي ذكر اسماء جيران المانيا و هم هولندا , فرنسا , الدنمارك , النمسا, تشيكيا , سلوفاكيا , انجلترا ,ايطاليا ,بولندا , السويد , البلطيق , اوكرانيا , بيلاروسيا , روسيا ,المجر و منطقة البلقان , يكمن تعقيد الموقف الجغرافي الالماني في اطلاله علي جميع مراكز القوي التاريخية , و الحالية و المعادية و الصديقة تاريخيا و حاليا ومناطق الازمات و الايله لتصدير ازماتها و تقريبا كل مسببات المشاكل الخارجية الممكنة من تهديد عسكري مباشر لازمة لاجئين و حركة جريمة منظمة و ارهاب دولي

في الواقع يعتبر الموقع الالماني اللذي مدحنا ميزاته قبل قليل هو ذاته الموقع الجيوسياسي الاسواء علي الاقل في اوروبا و في رايي الاسواء علي الاطلاق

علي الرغم من ذلك يعتبر الجنوب الالماني امنا بشكل ما , للطبيعة الوعرة و لوجود سويسرا جنوبا , اما في ما عدا ذلك , تعتبر المانيا مكشوفة علي مختلف انواع التهديدات

لمللاقاة تلك التهديدات , اختلفت تكتيكات برلين في خلال القرن العشرين من الرايخ الاول و الثاني و الثالث و انتهاء باتحاد الفحم و المعادن وسناتي علي ذكر هذا لاحقا

لكن و علي الرغم من تغيير التهديدات , كان ابقاء الوضع في كل من موسكو و باريس هادئا هو الهدف الاستراتيجي

بخصوص فرنسا , كانت الخطة الالمانية هي دمج كل ما يمكن من مؤسسات فرنسية داخل الاتحاد الاوروبي و من ثم السيطرة علي او ايجاد توافق بين الطرفين ما ينهي العداء الي تعاون

من المثير للاهتمام ان برلين استطاعت جر فرنسا لهذا التعاون فقط بعد مرور 6 اعوام علي انتهاء الحرب العالمية الثانية عن طريق انشاء اتحاد صناعات الفحم و المعادن الاوروبي و اللذي انشئ رابطا قويا بين المؤسسات الصناعية للبلدين , مع نجاح النموذج قام الالمان باضافة طبقة دبلوماسية Diplomatic Layer لنفس الاتحاد , مع سقوط جدار برلين سارع الطرفان لوضع سياسية مالية اوروبية مشتركة رئسها المركزي الالماني

مع دخول اليورو للعبة بشكل رسمي في العام 2002 , تشكل الفضاء الالماني و حيد التهديد الفرنسي تماما

و في الواقع استفاد الطرفان , حيث حيدت فرنسا بدورها التهديد الالماني

علي الرغم من ذلك , يشكل التهديد القائم عن عدم قيام الاتحاد الاوروبي بدورة في خدمة المانيا واقعا مقلقا , لكل من المانيا و فرنسا

و في الوقت اللذي يظهر فيه السياسيين الالمان جانب العقل و الحكمة , فان ما يخطط تحت السطح يبدوا مختلفا خصوصا مع تسرب بعض الوثائق ذات الصلة




التصور الاستراتيجي 2040

3.jpg



في نوفمبر 2017 سربت عن عمد او غير عمد وثية سرية المانية تحت عنوان التصور الاستراتيجي 2040 Strategic Perspective

تشير الوثيقة الي خطط طوارئ تعمل عليها المانيا تحسبا لانهيار محتمل للاتحاد الاوروبي , و استغلال روسي محتمل للازمة.

تعتبر الوثيقة هي او تصور لسياسة دفاعية متكاملة منذ الحرب العالمية الثانية , في الواقع مجرد وجود وثية مشابة يشير لتخطيط الماني لما بعد الاتحاد الاوروبي و عواقبه كامروارد جدا حدوثه

علي الرغم من كل ذلك تظل الجبهة الغربية لالمانيا امنه حتي حين , اما عن الجهة المقابلة لروسيا فالامر اكثر تعقيدا


الناتو

4.jpg


بالنظر لما قدمة الاتحاد الاوروبي لالمانيا من اجل تهدئة فرنسا , تعول المانيا بشكل كبير علي الناتو للقيام بنفس الدور ضد روسيا. الي تلك اللحظ قام الناتو بالفعل بدور كبير في تهدئة الروس علي تلك الجبهة لكن الامور لن تكون ابدا ببساطة ما تم علي الجبهة الغربية

علي الرغم من ميل الالمان للتهدئة مع الروس , الا ان المانيا كانت من اكثر المدافعين عن سياسة الحلف للتوسع شرقا باتجاه دول حلف وارسو السابق و حتي الجمهوريات السوفيتية السابقة , متحججة بحرية الدول برسم سياساتها الدفاعية

و بموازاة ذلك تدعم سياسة التوسع الاوروبي طمعا في مزيدا من الفوائد الاقتصادية

بالرغم من ان التصور الالماني لحل الازمة مع روسيا مشابه لما توصلت له مع فرنسا , بايجاد صيغة اتفاق تفيد الطرفين علي حد سواء , الا ان ملامح هذا الاتفاق لا تبدوا واضحة بما يكفي , و عليه تري برلين انه كلما امتد الحلف شرقا كلما اتسعت المنطقة العازلة بين كل من روسيا و المانيا و بالتالي اصبحت المانيا اكثر امنا , ولو مؤقتا

هذا بالاضافة لكل الميزات الاقتصادية اللتي يضمنها ضم مزيدا من الدول الاوروبية الي الاتحاد ما يقوي موقفها في اي مواجهة مع الروس ان حدثت .



في الواقع كانت السياسة الالمانية و ان كانت اهدافها التهدئة مع الروس الا ان سياساتها ادت لتصادم حتمي و لا تبدوا له نهاية قريبة , حيث ان للروس هدف واضح للتمدد غربا و بالتالي حدث الصدام في اوكرانيا , العقوبات المتبادلة و شبه انهيار في العلاقات بين الطرفين

مشكلة الروس و الالمان الامنية تعتبر متقاربة لوجود مناطق القلب الروسي و الالماني في اراضي سهلية مهددة ما يجعل سلوكهم متشابه في تامين انفسهم بخلق نطاقات عازلة خارج حدودهم , شرقا في حالة المانيا و غربا في حاله روسيا

5.jpg



بحر الشمال و بحر البلطيق

6.png


اخر الاهداف الجيوسياسية الالمانية هو تامين دخولها لكل من بحر الشمال و بحر البلطيق و بهذا الخصوص , لقناة كيل بشمال المانيا اهمية خاصة كونها تربط البحرين مرورا باراضي المانية , و بالتالي عدم الحاجة للمرور بالممرات الدنماركية

علي الرغم من ذلك , تعتبر تامين الملاحة لممرات الالمانية بين البحرين مهمة اكبر كثيرا من القدرات البحرية الالمانية

كونها تتطلب بحرية قادرة تستطيع التعامل حتي المياه الزرقاء Blue Water Navy , علي الرغم من القدرات الهائلة لالمانيا الا ان بحرية بتلك القدرات تعتبر امرا مكلفا للغاية

لحل تلك المعضلة قرر الالمان استغلال التحالف ( الاجباري ) مع الولايات المتحدة , علي الرغم من ذلك فالعلاقات مع الولايات المتحدة معقدة هي الاخري

بدأ من المشاعر المختلطة بين الجانبين , فالالمان يرون الامريكان المسؤلين عن دمار بلدهم و اعادة بنائها , و الامريكان يرون الالمان كاكثر شيرك في الناتو يمكن الاعتماد عليه كما يراهم يستغلون الحلف باكثر مما ينبغي


نتيجة لذلك تظهر الازمات بين الحين و الاخر بين الولايات المتحدة و المانيا , اخرها كان التوتر بين ميركل و ترامب المتعلق بميزانية الناتو و التزام امريكا الدفاعي

بالرغم من تهدئة ادارة ترامب لانتقاداتها لالمانيا الا ان القلق يظل واضحا في الجانب الالماني , حيث ان اقتصادهم المعتمد علي التصدير سيخسر كثيرا في اي مواجهة مع الامريكان , بالاضافة للخسارة الاستراتيجية الناتجة عن فقدان حليف بحجم امريكا

ففي السابق اعتمدت القوي الاوروبية علي تشكيل تحالفات لتحييد الخطر البحري الالماني , مع عدم رغبة المانيا بتكرار التاريخ و مع عدم قدرتها علي تكوين بحرية قوية يظل التحالف مع امريكا هدف استراتيجي مهم لالمانيا , يمكنها من تامين الممرات البحرية و التفرغ للسيطرة علي مجالها الحيوي اقتصاديا و دبلوماسيا



خاتمة


في المجمل تتاثر كل من قوة المانيا و اهدافها بمحيطها المباشر , داخلها و تاريخها , تمثل الممرات النهرية عصب النقل الرخيص و الفعال داخل البلاد و في الاقليم و يعطي لالمانيا ميزة تنافسية كبيرة ,لكن و عل الرغم من يقدمة الموقع لالمانيا , يتسبب نفس الموقع بنشوء تهديدا جدية لالمانيا

لتستطيع المانيا تامين وجودها و مصالحها تحرص المانيا علي تامين وحدتها السياسية و الجغرافية , تقليل خطر القلاقل المجتمعية من خلال ضمان تكافء اقتصادي عبر مناطق مختلفة الظروف والموارد من خلال البرامج الحكومية , الحفاظ علي الفضاء الاوروبي اللذي يضمن لاقتصادها العمل و الحفاظ علي البرامج الحكومية اللتي تضمن السلام المجتمعي , تامين الجبهتين الشرقية و الغربية اللتان تهددان بقاء الفضاء الاوروبي و المانيا ذاتها من خلال دمج فرنسا في الفضاء الاوروبي و توسيع الناتو شرقا, و اخيرا تامين الدخول لبحري البلطيق و الشمال

ربما نجد اختلافا بالتكتيكات في تاريخ تلك الدولة , لكن تظل الاهداف الجيوسياسية للدولة الالمانية ثابته علي الرغم من عدم ثبات المانيا ذاتها !
 
الروس نادمين على التفريط باوروبا الشرقية وبشكل خاص المانيا الشرقية ....خطأ افقد روسيا كل مكتسبات ستالين التي حققها من نتائج الحرب العالمية الثانية وهذا الامر ستدفعه اجيال الامة الروسية الى الابد
 
عودة
أعلى