#رأي- رغم التناقضات والتأويلات والتنازلات، إلا أن الخرجة الاعلامية لعطاف كانت ناجحة بشكل كبير ... وهذه أهدافها الثلاثة :
1

امتصاص الصدمة الداخلية بعد زلزال نيويورك:

الهدف الاول من خرجة وزير الخارجية عطاف كان تهدئة الداخل بعد الصدمة التي خلفها اعتماد مجلس الامن خطة الحكم الذاتي كاساس مركزي للتفاوض
فالنظام كان يخشى ان تتحول هذه النكسة الى ذريعة لتصفيات داخلية بين اجنحة السلطة، خصوصا مع قائد الا{كان والواجهة المدنية

لذلك سعى عطاف الى قلب المعادلة في الوعي الشعبي والاعلامي، مقدما القرار الاممي الذي يعد انتصارا دبلوماسيا للمغرب كـ"نجاح جزائري" في "افشال تمرير الاجندة المغربية"
المفارقة ان خطاب عطاف ناقض تماما الموقف الذي عبر عنه ممثل الجزائر في مجلس الامن، حين برر امتناع بلاده عن التصويت بسبب "مركزية الحكم الذاتي في القرار الاممي"
نجح عطاف اعلاميا في تمرير الرواية الجديدة حتى بين بعض المعارضين.


والنتيجة غير المباشرة ان هذا الهدف يخدم المغرب والولايات المتحدة معا، لانه يسمح بتهدئة الساحة الجزائرية والحغاظ على النظام الحالي لفتح الطريق نحو المفاوضات بعيدا عن تجاذبات داخلية قد تستهلك الوقت وتخفف الضغوط
2

تهيئة الرأي العام للمفاوضات:

الهدف الثاني تمثل في اعداد الرأي العام الداخلي والخارجي لقبول العودة الى المفاوضات، بما ينسجم مع الاصرار الامريكي على اطلاق مسار تفاوضي فعال
لهذا السبب حرص عطاف على الاشادة بالقرار الاممي، واعتباره "انتصارا لمبادئ القضية الصحراوية"، بل اضاف ان الجزائر كانت ستصوت لصالحه لولا اشارة في التمهيد تتحدث عن "السيادة المغربية"

وهذا تكتيك ذكي لتخفيف حدة التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع الدولي، وتمرير فكرة المشاركة في المفاوضات دون ان ينظر اليها كانتكاس سياسي
ومع ذلك، يبقى احتمال العودة الى اسلوب المناورة بالوقت قائما، عبر اثارة نقاشات جانبية تبطئ العملية او تفرغها من مضمونها في حال تراجع الضغط الامريكي


ومهما يكن، فان هذا المسار ينسجم مع المصلحة المغربية ايضا، لان المغرب يفضل حلا تفاوضيا بلا غالب ولا مغلوب، ويسمح بمرونة في التفسير السياسي طالما ان المرجعية الجوهرية (الحكم الذاتي) تبقى قائمة
3

تفادي الخطر الوجودي: نعم لحل مشكل الصحراء لا للتطبيع والمصالحة

في حال استمرار الضغوط الامريكية او ضيق هامش المناورة في التفاوض، قد تختار الجزائر الموافقة الضمنية على حل ملف الصحراء لتخفيف الضغط، ولكن دون الانتقال الى مرحلة التطبيع مع المغرب
ولهذا، ركز عطاف في خطابه على قراءة مغايرة تماما لقاموس القرار الاممي، بهدف ترسيخ سردية مفادها ان المفاوضات لا تتعلق بنزاع اقليمي بين المغرب والجزائر، بل هي قضية تصفية استعمار بين المغرب والشعب الصحراوي
ولذلك تعمد استعمال عبارات:
"الطرفين" و"تصفية الاستعمار" و"الاستفتاء" و"الشعب الصحراوي"
رغم غيابها الكامل من القرار الاممي، مقابل العبارات التي وردت فعلا في القرار بدلا عنها وهي:
"الاطراف" و"النزاع" و"الحكم الذاتي" و"شعب الصحراء الغربية"
ولكي يقيم أساس السردية ركز كثيرا على مفهوم "تقرير المصير" لفصله عن الحكم الذاتي، وربطه بمقترحات اخرى يقصد بها الاستفتاء، في قراءة منحرفة لكن متعمدة للنص الاممي
شوفو هذا الاحصاء للعبارات في قرار مجلس الأمن باش تعرفو غاية السردية:
عبارة "الطرفين": 0 مرة
عبارة "الاطراف": 8 مرات
> وفي التمهيد حدد القرار ان الاطراف المعنية بالنزاع هي: المغرب، البوليساريو، الجزائر، موريتانيا
الاستفتاء: 0 مرة
الحكم الذاتي: 6 مرات
> واكد القرار مرتين ان تقرير المصير سيتحقق بحل سياسي توافقي على اساس الحكم الذاتي
-تصفية الاستعمار: 0 مرة
-انهاء النزاع: 3 مرات
> واعتبر القرار ان انهاء النزاع يمر عبر التفاوض على حل سياسي على اساس الحكم الذاتي
-تقرير المصير مرتبط بالاستفتاء: 0 مرة
-تقرير المصير عبر الحكم الذاتي: 2 مرات
> القرار اعتبر ان تقرير المصير يتحقق عبر التفاوض على حل سياسي نهائي على اساس الحكم الذاتي

وهكذا
فالفكرة العامة التي يخرج بها من قرأ قرار مجلس الأمن أنه يوجه دعوة الاطراف الاربعة للتفاوض على حل النزاع على اساس الحكم الذاتي المغربي، والتوصل الى حل سياسي نهائي متوافق عليه يحقق تقرير مصير شعب الصحراء الغربية
بينما وأنت تستمع لعطاف تخرج بفكرة مفادها أن هناك دعوة للطرفين للتفاوض على تصفية الاستعمار عبر تقرير مصير الشعب الصحراوي عبر الاستفتاء حصرا، مع تأكيد ان الجزائر غير معنية بالمفاوضات ولا بالتطبيع


في حين تتفهم واشنطن الخطوتين الاوليين (التهدئة الداخلية والاعداد للتفاوض)، الا ان الخلاف العميق يتمحور حول التطبيع مع المغرب:

الولايات المتحدة تعتبره غاية استراتيجية، لانه شرط ضروري لانجاح مبادرتها الاطلسية الافريقية حول المعادن النادرة في مواجهة الصين

واوروبا تراه شرطا حيويا لمشروعها الاورومتوسطي الجديد، اذ ان استمرار التوتر المغربي الجزائري يعطل تحديثه واعادة اطلاقه

لكن هذا الخلاف يمكن ادارته مؤقتا، طالما ان الهدف العاجل للجميع هو انجاح المفاوضات حول الصحراء ...

وهذا ما نلمسه في الخطاب الإعلامي المتطور لمستشار ترامب، بولس مسعد، الذي بدا متسامحا مع بعض الانحرافات اللغوية لغاية واحدة، وهي إنجاح المفاوضات بعد النجاح التاريخي في اعتماد قرار يسمح بتسوية واقعية.

أما المغرب، فما يهمه قبل كل شيء هو إغلاق ملف الصحراء باعتباره هدفا وجوديا، أما التطبيع مع الجزائر فهو يعلم أنه إن لم يكن بإرادة سياسية حقيقية فسيظل مجرد سحابة عابرة
#المغرب_أولا